باحدة عبد الرزاق
في مثل هذا اليوم المجيد من سنة 1963، أشرقت شمس الفرح والسعادة في سماء المملكة المغربية، حيث زف القصر الملكي نبأ ولادة ولي العهد الأمير سيدي محمد بن الحسن، الابن البار لوالده الملك الحسن الثاني، رحمه الله، الذي اختار له اسم جده المجاهد العظيم محمد الخامس طيب الله ثراه، تيمناً باسم جده المصطفى صلى الله عليه وسلم. لقد كان ذلك اليوم صفحة مضيئة في تاريخ الأمة، حيث بزغ نجم جديد في سماء العرش العلوي المجيد.
نشأ ولي العهد الشاب في رعاية ملك حكيم، يتقن فن القيادة ويشهد له العالم بعقليته الفذة. تلقى الأمير سيدي محمد تربية ملؤها الحكمة والرؤية الثاقبة، حيث أدخله والده الملك المنعم في سن الرابعة إلى الكتاب القرآني الملحق بالقصر الملكي، ليبدأ مسيرة علمية حافلة. أنهى الأمير دراسته الابتدائية والثانوية بالمدرسة المولوية، حيث برز بذكائه ونبوغه، متوجا مشواره الدراسي بحصوله على الباكالوريا في يونيو 1981.
واصل ولي العهد دراساته العليا في الحقوق بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ليحصل في سنة 1985 على الإجازة في موضوع “الاتحاد العربي الإفريقي واستراتيجية المملكة في مجال العلاقات الدولية”. ولم يقف عند هذا الحد، بل حصل على الشهادتين الأولى والثانية للدراسات العليا في العلوم السياسية والقانون العام بامتياز في سنتي 1987 و1988. وكان تتويج مشواره العلمي بحصوله على شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا من جامعة “نيس صوفيا آنتيبوليس” الفرنسية، حيث ناقش أطروحة في موضوع “التعاون بين السوق الأوروبية المشتركة واتحاد المغرب العربي”، كما منحته جامعة “جورج واشنطن” درجة الدكتوراه الفخرية في 22 يونيو سنة 2000.
ومع كل هذه الإنجازات العلمية، لم يكن الأمير سيدي محمد مجرد طالب متفوق فحسب، بل كان قائدا ناشئا يتحمل المسؤولية منذ ريعان شبابه. فقد كلفه والده الملك الراحل الحسن الثاني بمهام عديدة على الصعيد الوطني والعربي والإسلامي والإفريقي والدولي، ممثلا المملكة في مختلف المحافل الدولية، متقنا للغات العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية، مما أكسبه شخصية متكاملة ومتوازنة.
وفي 23 يوليو 1999، اعتلى جلالة الملك محمد السادس عرش اسلافه الميامين، بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه. ومنذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم، أبان الملك محمد السادس، نصره الله، عن حكمة ورؤية ثاقبة، متلقيا البيعة كأمير للمؤمنين بقاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط، ليبدأ مرحلة جديدة في تاريخ المملكة المغربية، حيث تولى مهام القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ورئاسة لجنة القدس، مجسدا بذلك روح القيادة والالتزام الديني.
على مدار ربع قرن من الحكم، لم يشهد المغرب مثل هذا الزخم من الإصلاحات العميقة التي طالت كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هذه الإصلاحات لم تكن مجرد إجراءات سطحية، بل كانت تغييرا جوهريا أعاد تشكيل ملامح المغرب، مما جعله اليوم بلدا أكثر حرية وديمقراطية، واقتصاده أكثر قوة ودينامية. تضاعف الناتج الداخلي الخام والدخل الفردي، وتوسعت الطبقة الوسطى، وتم القضاء على الفقر المطلق بشكل كبير، وأصبحت المرأة شريكا فعالا في الحياة السياسية والاقتصادية.
كما أن الاقتصاد المغربي شهد تحولات جوهرية، حيث ارتفعت القدرة التصديرية، وبرزت مقاولات رائدة في مجالات الصناعة والتجارة والخدمات، مما جعل المغرب منافسا قويا على الساحة الدولية. وكانت الإصلاحات السياسية التي قادها جلالة الملك محمد السادس مثالا يحتذى به، بدءا من تجربة العدالة الانتقالية، مرورا بدستور 2011 الذي رسخ مبدأ فصل السلطات وعزز من دور مؤسسات الدولة.
في هذا اليوم السعيد، الذي يحمل في طياته أسمى معاني الفخر والاعتزاز، نتوجه بالدعاء إلى الله العلي القدير أن يمد في عمر جلالة الملك محمد السادس، ويحفظه ويبارك في مسيرته المظفرة. نسأل ال له أن يكلأ بعنايته ولي عهده الأمير مولاي الحسن، وأن يحفظ شقيقه السعيد الأمير مولاي رشيد، وأن يحفظ سائر أفراد الأسرة العلوية الشريفة. اللهم اجعل أيامهم كلها أفراحا ومسرات، ووفقهم لما فيه خير هذا الوطن وأمته، وارزقهم الصحة والعافية والعمر المديد.