نجيبة جلال
إن من يحاولون اليوم تحوير النقاش وإلقاء الاتهامات زورا، بتكرار نشر صور مزيفة والتعليق عليها، يضللون الدولة والرأي العام حول المسؤولية الثابتة للجزائر في أزمة الهجرة غير النظامية. هؤلاء يرتكبون اليوم جريمة خيانة للرأي العام وتشويهاً للحقيقة. المغرب لم يهرب يوماً من مواجهة مشاكله الداخلية، ولكن حين تثبت مسؤولية جهة خارجية، لا بد من التأمل، وليس في ذلك أي إعفاء للحكومة من مسؤولياتها.
ومن باب التذكير، واقعة الفنيدق بتاريخ 15 سبتمبر ليست الأولى، رغم أنه من الملاحظ أن الأسابيع الأخيرة شهدت تصاعداً في تدفق المهاجرين نحو الحدود مع سبتة. كما تم القبض على العديد من الأشخاص في عدة مدن مغربية بتهم “صناعة ونشر معلومات زائفة على وسائل التواصل الاجتماعي” تحث على تنظيم عمليات هجرة غير نظامية بشكل جماعية.
وفي يوم الأحد، قامت قوات الأمن المغربية بطرد مئات المهاجرين غير النظاميين، بينهم مغاربة ومواطنون من دول أفريقية أخرى، كانوا يحاولون الوصول إلى جيب سبتة الإسباني. فبعد أن شجعتهم منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تحرك هؤلاء المهاجرون، الذين كان بينهم العديد من القاصرين، نحو نقطة العبور في مدينة الفنيدق المغربية المجاورة لسبتة، قبل أن يتم إبعادهم من قبل الشرطة. وقد حاولت مجموعة أخرى من المهاجرين، والتي كانت تضم مئات الأشخاص، الوصول إلى سبتة في وقت سابق من اليوم، لكنهم تم إيقافهم من قبل قوات الأمن.
التدخل الأمني بدأ بتعزيز قوات أمنية كبيرة في الفنيدق خلال عطلة نهاية الأسبوع، بمجرد انطلاق الدعوات والمنشورات على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قضت عناصر الأمن الليلة في إيقاف المتسللين وإعادتهم إلى مدنهم الأصلية.
وفيما يتعلق بالمنشورات، تم القبض على ستين شخصا، بينهم قاصرون، بين 9 و11 سبتمبر في عدة مدن مغربية بتهم “صناعة ونشر معلومات زائفة تحث على تنظيم عمليات هجرة غير قانونية جماعية”. وهذا يعني أيضا أن التحقيقات فتحت مباشرة بعد إطلاق الحملة الافتراضية، مما أعطى للسلطات خطوات متقدمة على المتسللين.
ودعونا نعود أكثر إلى الشهر الماضي، حيث تمكنت السلطات المغربية من إحباط أكثر من 11,300 محاولة هجرة غير قانونية في شهر أغسطس فقط، وفقا لوزارة الداخلية. وفي مليلية، تم إحباط أكثر من 3,300 عملية في نفس الفترة. ومنذ بداية العام، أحبطت قوات الأمن المغربية 45,015 محاولة هجرة ودمرت 177 شبكة إجرامية. وهذا طبعا لن يوقف بشكل نهائي هذه الظاهرة، لأنها في الواقع قضية عالمية مؤثرة تمس جميع الدول والشعوب، ونحن في الوطن العربي جزء لا يتجزأ من هذا المشهد المعقد. فليس المغرب بلد الملائكة ولا بلد الشياطين، وهذا يعني أيضا أننا جميعا معنيون بالتعامل مع هذه الظاهرة بواقعية وموضوعية. لذا، من الضروري أن نفتح نقاشا وطنيا حول ملف الهجرة، بعيدا عن المزايدات السياسية واستغلال سماسرة الصحافة.
نحن متفقون أنه يستحيل أن نكون غير متأثرين بمشاهد مئات المغاربة وهم يحاولون عبور الحدود إلى سبتة في عطلة نهاية الأسبوع من 15 سبتمبر، كيف يمكننا أن نتصور أن مسيرة التنمية تتقدم بينما نشهد هذه المشاهد المحزنة، حيث نرى شبابا، بعضهم لا يزال في سن الطفولة، يلقون بأنفسهم في البحر؟
ملف الشباب من القضايا المعقدة التي تستوجب النظر العميق. المشهد يسائلنا دولة وشعبا ومؤسسات. من الطبيعي أن نشعر بالغضب تجاه حكومة أخنوش التي تبدو في واد آخر، حكومة لا تتواصل مع الشعب، وتجهل وتتجاهل كليا معاناة الشباب وتحدياتهم.
شبابنا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى سماع رسالة مفادها «أنتم موجودون وتستحقون الحياة».
لقد حذرت العديد من التقارير من وضع الشباب ودعت إلى التحرك، بدءا من تقرير لجنة النموذج التنموي برئاسة شكيب بنموسى، إلى تقرير المندوبية السامية للتخطيط بقيادة أحمد الحليمي، وصولا إلى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي برئاسة أحمد رضا الشامي، التي أكدت جميعها على الحاجة الملحة للتحرك.
لم تكن حكومة أخنوش في الموعد، ولا يمكن أن نتجاهل أن إرث حكومة العدالة والتنمية ثقيل أيضا في هذا الموضوع. ومع ذلك، لا يمكن أبدا مقارنة تعامل المغرب مع قضاياه الداخلية بالأسلوب الجزائري في إدارة أزماته. في المغرب، هناك اعتراف واضح بالمشاكل الاجتماعية، مثل البطالة والهجرة، ويجري التنبيه إلى الأيادي الخارجية التي تحاول الاستثمار فيها لإثارة الفوضى.
كما لا يمكن أبدا أن نسمح اليوم بأن نحتفظ في دوائر نخبنا بمن يحاول جاهدا ترديد خطاب النظام الجزائري، ويحاول تحوير النقاش وتوجيه السهام نحو الدولة المغربية لأن ذلك يضرب في عمق اختيارنا لدولة المؤسسات ويخون انتظارات كل المواطنين!