بقلم نجيبة جلال
في مقابلة حديثة مع قناة سكاي نيوز عربية، أعاد رضا بهلوي، نجل الشاه الراحل، إشعال النقاش حول واحدة من أكثر القضايا حساسية في العلاقات الإقليمية: الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران.
تصريحاته، التي حملت نبرة قومية واضحة، تعكس توجهات بهلوي نحو إعادة طرح نفسه في المشهد السياسي، ولكن هذه المرة ليس فقط كرمز للمعارضة، بل كبديل يتحدى النظام الإيراني الحالي. قال بهلوي بنبرة حازمة: “لو كنت حاكمًا لإيران لما استطاع أحد التشكيك في سيادة إيران على الجزر الثلاث، ولكن بسبب ضعف النظام الحالي تثار الشكوك حول إيرانية هذه الجزر.”
هذه الكلمات، وإن كانت موجهة في ظاهرها نحو قضية إقليمية محددة، إلا أنها تحمل في طياتها رسالة أعمق موجهة إلى الداخل والخارج على حد سواء. فهي تعبير عن استياء رضا بهلوي من سياسات النظام الإيراني الذي يراه فاقدًا للهيبة والسيادة، وفرصة في الوقت نفسه لتعزيز مكانته كوريث شرعي وقادر على استعادة ما يسميه بـ “عظمة إيران” المفقودة منذ الإطاحة بنظام والده عام 1979.
قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) ليست جديدة على الساحة الإقليمية، لكنها اكتسبت أهمية متجددة مع تصريحات بهلوي، التي تسلط الضوء على استراتيجياته في إعادة صياغة علاقته مع التاريخ الإيراني ومع الحاضر السياسي. لطالما كانت هذه الجزر نقطة توتر في العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة، فمنذ الثورة الإيرانية، ترفض الإمارات الاعتراف بالسيطرة الإيرانية على هذه الجزر، في حين يصر النظام الإيراني، دون تهاون، على سيادته الكاملة عليها.
إعادة فتح بهلوي لهذا الملف، خصوصًا في هذا التوقيت، يمكن قراءته على عدة مستويات. أولًا، هو محاولة منه لتوجيه الأنظار نحو ضعف النظام الحالي وعجزه عن حماية السيادة الوطنية كما يجب. فالجزر الثلاث، في عيون القوميين الإيرانيين، تمثل جزءًا لا يتجزأ من التراب الوطني، وأي تهاون في هذا الملف يعتبر انتقاصًا من كرامة البلاد. ثانيًا، وهو الأهم، فإن هذا التصريح يعكس رغبة بهلوي في استغلال حالة عدم الرضا الداخلي المتزايدة حيال النظام الحالي، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بإيران.
ليس سرًا أن النظام الإيراني يعيش واحدة من أصعب مراحله منذ الثورة. فالضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية، والتحديات الاجتماعية المتزايدة نتيجة البطالة والتضخم، بالإضافة إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، كلها عوامل تؤدي إلى زعزعة استقرار النظام وتفتح الباب أمام صعود معارضة متزايدة. في هذا السياق، يبدو أن رضا بهلوي يسعى إلى تقديم نفسه كبديل جاهز، قادر على إعادة إحياء “إيران القوية”، كما كانت تحت حكم والده.
تصريحاته حول الجزر المتنازع عليها تأتي ضمن هذا السياق؛ فهو لا يتحدث فقط عن قطعة أرض متنازع عليها، بل عن رؤية أوسع لإيران التي تعود إلى الساحة الدولية كقوة إقليمية كبرى، قادرة على حماية مصالحها في وجه التحديات الإقليمية والدولية. في خطابه، هناك إشارة واضحة إلى أن النظام الحالي قد فشل في الحفاظ على هذه المكانة، وأنه بحاجة إلى تغيير جذري يعيد للأمة مجدها.
لكن العودة إلى المشهد السياسي ليست بالأمر السهل. فبالرغم من أن رضا بهلوي يظل أحد أبرز رموز المعارضة الإيرانية في الخارج، إلا أن النظام الإيراني يظل قويًا بما يكفي لمنع أي محاولة مباشرة لتغييره من الخارج. كما أن القوى السياسية في الداخل، رغم تزايد الاستياء الشعبي، لا تزال متفرقة وغير قادرة على تنظيم جبهة موحدة قوية قادرة على منافسة النظام. لذلك، يظل السؤال الرئيسي: هل يمكن لبهلوي أن يتجاوز رمزية كونه “ابن الشاه” ليصبح زعيمًا فعليًا قادرًا على قيادة التغيير؟
الواقع الحالي في إيران معقد للغاية. فالنظام، رغم مشاكله الداخلية، لا يزال يسيطر بقوة على مفاصل الدولة من خلال الحرس الثوري والقوى الأمنية، ويعتمد على تحالفات خارجية تدعمه في مواجهة الضغوط الغربية. كما أن الشارع الإيراني منقسم بين تيارات دينية، إصلاحية، وقومية، مما يجعل من الصعب على شخصية مثل رضا بهلوي توحيد هذه القوى خلفه.
رغم هذه التحديات، فإن عودة رضا بهلوي إلى المشهد السياسي عبر تصريحاته الأخيرة حول الجزر المتنازع عليها تشير إلى أن النقاش حول مستقبل إيران لم يعد مقتصرًا على حدود الإصلاح الداخلي للنظام، بل بات يشمل أيضًا إمكانية إعادة تشكيل السلطة بشكل جذري. في هذا السياق، تظهر شخصيات مثل بهلوي كخيارات بديلة في ظل تفاقم الأزمات.
الجزر الثلاث التي كانت دومًا رمزًا للتوتر الإقليمي قد تصبح في المستقبل القريب رمزًا للتحول الداخلي في إيران، بفضل طموحات رضا بهلوي وغيره من الشخصيات المعارضة. إلا أن الطريق إلى هذا التحول لا يزال مليئًا بالعقبات، وعلى رأسها كيفية توحيد المعارضة الإيرانية وتقديم رؤية متكاملة تنال قبول الشارع وتستجيب لتطلعات الشعب الإيراني.
في الختام، تبقى تصريحات رضا بهلوي مؤشرًا على التحولات العميقة التي قد يشهدها المشهد السياسي الإيراني في السنوات القادمة. وبينما يظل السؤال حول قدرته على استعادة “عظمة إيران” موضع جدل، فإن عودته إلى دائرة النقاش تشير إلى أن إيران ما بعد الثورة قد تدخل مرحلة جديدة، تتسم بإعادة النظر في الماضي ومحاولة رسم مستقبل مختلف.