من التقنين إلى التمكين – هل ينجح المغرب في تحويل تحديات التواصل الرقمي إلى فرص اقتصادية؟

من التقنين إلى التمكين – هل ينجح المغرب في تحويل تحديات التواصل الرقمي إلى فرص اقتصادية؟

- ‎فيشن طن, واجهة
بنسعيد التواصل الاجتماعي شن طن
إكسبريس تيفي

بقلم نجيبة جلال

في خطوة تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية ضبط الفضاء الرقمي وحماية المجتمع من تداعيات الأخبار الزائفة والإساءات المتفشية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أعلن محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، عن توجه الحكومة نحو صياغة إطار قانوني جديد لتنظيم هذه المنصات، بعيدًا عن قانون الصحافة والنشر. هذا التوجه يمثل مبادرة محمودة، بالنظر إلى الأثر الكبير لهذه المنصات على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

لكن في ظل هذا التوجه، يبرز تساؤل جوهري حول مدى قدرة هذا الإطار القانوني على مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال، خاصة وأن العديد من الدول الأوروبية تبنت قوانين صارمة لضبط نشاط منصات التواصل الاجتماعي.

من بين أبرز هذه التجارب، قانون الخدمات الرقمية (DSA) في الاتحاد الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2023، ويُعد نموذجًا شاملًا لمكافحة المحتوى غير القانوني، وتعزيز الشفافية، وتوفير آليات إبلاغ فعالة، مع فرض عقوبات مالية صارمة على الشركات المخالفة. كذلك، قانون NetzDG الألماني، الذي يجبر المنصات على إزالة المحتوى غير القانوني مثل خطاب الكراهية خلال 24 ساعة من تلقي الشكاوى، ويُعرض الشركات المتهربة لغرامات تصل إلى 50 مليون يورو.

أما فرنسا، فقد سنت قانونًا في 2018 يستهدف مكافحة الأخبار الزائفة، لا سيما خلال الانتخابات، عبر إلزام المنصات باتخاذ تدابير وقائية ومنح القضاء سلطة التدخل السريع لإزالة المحتوى المضلل. وبريطانيا بدورها اعتمدت قانون الأمان عبر الإنترنت، الذي يركز على حماية المستخدمين من المحتوى الضار وغير القانوني، مع إيلاء أهمية خاصة لصحة المستخدمين النفسية.

هذه القوانين الأوروبية تُبرز توجهًا نحو تحقيق توازن دقيق بين حماية المستخدمين والحفاظ على حرية التعبير، مع استثمار الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تتيحها منصات التواصل الاجتماعي. هنا تحديدًا، يبرز دور صناعة المحتوى التي لم تعد مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل أضحت عنصرًا محوريًا في الاقتصاد الرقمي، تُمكّن الشباب من تحويل المنصات إلى أدوات ابتكار وإنتاج.

إن نجاح التجربة المغربية في هذا المجال يتطلب رؤية شاملة لا تقتصر على تنظيم وضبط المحتوى، بل تسعى أيضًا إلى دعم الشباب وتأطيرهم لاستخدام هذه المنصات بشكل مسؤول وإبداعي.

صناعة المحتوى ليست مجرد تحدٍ تنظيمي، بل فرصة اقتصادية واجتماعية، تجعل من الفضاء الرقمي مجالًا للابتكار والتنمية بدلًا من أن يظل مصدرًا للأضرار والتجاذبات. من هنا، يبدو الرهان على إطار قانوني متكامل، يستلهم النماذج العالمية مع مراعاة الخصوصيات المحلية، ضرورة لتحقيق التحول المنشود في المشهد الرقمي المغربي.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *