إكسبريس تيفي: نجيبة جلال
ما حدث تحت قبة البرلمان مؤخراً يتجاوز كونه واقعة بروتوكولية عابرة، ليُطرح كإشكال أعمق حول تعامل أحزاب الأغلبية مع رمزية وزارة الداخلية وموقعها السيادي. حين يُمنع وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، من عرض التدابير الحكومية لمواجهة البرد القارس الذي يعاني منه سكان المناطق الجبلية والقروية، فإننا أمام تحدٍ واضح للوضع الاعتباري لهذه الوزارة، وهو ما يثير تساؤلات حول خلفيات هذا السلوك ودلالاته السياسية.
الوزير عبّر عن استيائه قائلاً: ” اسمحوا لي، أنا لا أتدخل في العمل البرلماني، لكن حين نريد مناقشة مواضيع من هذا القبيل، يجب التعامل بمرونة، وإعطاء الوقت الكافي. لن يحدث شيء إن أضفنا دقيقة أو دقيقتين” .
هذا الاستياء لا يمكن قراءته بمعزل عن رمزية وزارة الداخلية، التي تُعدّ صمام أمان الدولة والمؤتمنة على الأمن الوطني وتدبير الشأن المحلي. هل تسعى بعض الأحزاب إلى إعادة تشكيل موقع وزارة الداخلية في المعادلة السياسية؟ وهل نحن أمام محاولة لتقليص نفوذها، أو خلق موقع جديد يحكم العلاقة بين الأحزاب والوزارات السيادية؟
من جهة أخرى، القضية التي كان يناقشها البرلمان ليست ملفاً هامشياً أو فنياً يخص دائرة معينة، بل قضية تلامس حياة المغاربة في صميم معاناتهم اليومية. البرد القاسي الذي يعاني منه سكان المناطق النائية هو أزمة تتطلب التكاتف وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات السياسية الضيقة. هذا ليس اجتماعاً يناقش مشاريع رجال أعمال، بل فرصة لتقديم حلول عملية للمواطنين الأكثر تضرراً.
وفي سياق النقاش، تدخل عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، داعياً إلى احترام الوقت المخصص لعرض الوزير قائلاً: ” جرت العادة أن يكون صدر الرئاسة رحباً، ويبدو أن وزير الداخلية لم يتمكن من قراءة صفحة من عرضه. الموضوع مهم، و50 ثانية للتعقيب الإضافي غير كافية. أدعو السيدة الرئيسة إلى منح الوزير الوقت الكافي لعرض الإجراءات التي جئنا لنسمعها “.
التعامل مع وزارة الداخلية وكأنها مجرد قطاع عادي، وليس وزارة سيادية ذات دور محوري في استقرار الوطن، هو تحدٍ سياسي يحمل أبعاداً خطيرة. إذا كانت بعض الأحزاب ترى في ذلك موقعاً جديداً يمكنها استغلاله لتعزيز حضورها، فإن هذا المسعى يفتقر للحكمة ويتنافى مع المصلحة العامة.
على أحزاب الأغلبية أن تدرك أن دورها لا يقتصر على دعم الحكومة فقط، بل على ضمان تمكينها من العمل بفعالية واحترام المؤسسات السيادية التي تساهم في استقرار الوطن. المغاربة لا ينتظرون من السياسيين المناكفات الشكلية، بل حلولاً واقعية تضعهم في قلب اهتمامات الدولة.