بقلم : القناص
استغلال الأطفال عبر منصات التواصل الاجتماعي أصبح ظاهرة مقلقة تهدد القيم المجتمعية وحقوق الطفل. ومع تسارع التحول الرقمي، تحولت هذه المنصات إلى فضاءات تُستغل فيها براءة الأطفال لأغراض مادية، ومن بين أبرز الأمثلة حالة الطفلة جيهان.
جيهان، طفلة لا تتجاوز السابعة وتعاني من التوحد، وجدت نفسها ضحية لاستغلال ممنهج من طرف أمها بالتبني، التي حولتها إلى أداة لجني الأرباح عبر منصة “تيك توك”. عوض أن تجد الطفلة الرعاية التي تحتاجها، أصبحت جزءاً من عروض مباشرة تستمر لساعات طويلة، تُعرض خلالها للإهانة والاستغلال العاطفي من قبل أفراد، من بينهم مؤثر يُدعى “حمزة”، الذي يدعي وجود علاقة عاطفية معها. هذا السلوك يتجاوز حدود الأخلاق ليصل إلى انتهاك صريح لحقوق الطفولة، حيث يتم استغلال جيهان لجذب المشاهدين وزيادة الأرباح من التبرعات التي تُجمع بحجة تلبية احتياجاتها.
ما يفاقم خطورة الوضع أن الأم بالتبني لم تكتفِ بما فعلته مع جيهان، بل أثرت على أسر أخرى، حيث بدأت أسرة باستخدام نفس الأسلوب مع طفلتها المصابة بالتوحد لجني الأموال عبر البث المباشر. هذا الانتشار يعكس ظاهرة خطيرة، إذ تحولت هذه السلوكيات إلى عدوى اجتماعية، ما يفتح المجال أمام مزيد من الانتهاكات بحق الأطفال، حيث يجد البعض في هذه الممارسات طريقاً سهلاً لتحقيق مكاسب مادية دون اعتبار للأثر النفسي المدمر على الأطفال.
هذا الواقع يعد انتهاكاً واضحاً للقوانين الدولية والمحلية التي تكفل حقوق الأطفال. المغرب، الذي صادق على اتفاقية حقوق الطفل عام 1993، ملتزم بحمايتهم من جميع أشكال الإساءة والاستغلال. كما أن المادة 19 من الاتفاقية تفرض على الدول اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الأطفال من العنف والاستغلال، بينما تنص المادة 23 على ضمان توفير بيئة آمنة للأطفال ذوي الإعاقة. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه القوانين يواجه تحديات كبيرة أمام تنامي استغلال الأطفال عبر الإنترنت.
ورغم التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، التي تشدد على حماية الطفولة وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يكشف هذا النوع من الممارسات عن فجوات في تطبيق تلك التوجيهات. القانون الجنائي المغربي يعاقب بشدة على استغلال الأطفال مادياً أو معنوياً، لكنه يواجه صعوبة في ملاحقة مثل هذه الانتهاكات الرقمية، ما يطرح تساؤلات حول مدى فعالية الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك”.
هذا الوضع يتطلب تدخلاً فورياً من السلطات المغربية والهيئات المعنية بحقوق الطفل لوضع حد لهذه الممارسات. يجب تشديد الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي، ومعاقبة كل من يثبت تورطه في استغلال الأطفال، سواء من الأسر أو المؤثرين. كما أن هناك حاجة ملحة لإطلاق حملات توعوية تُبين خطورة هذه الظاهرة على الأطفال، وضرورة تعزيز القوانين الرقمية لحمايتهم من مثل هذه الانتهاكات.
استغلال الطفلة جيهان يمثل تحذيراً للمجتمع بأسره. حماية الأطفال هي مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند القانون. الأطفال ليسوا أدوات لجني الأرباح أو أدوات استعراض على الإنترنت، بل هم أمانة يجب حمايتها بكل الوسائل الممكنة لضمان مستقبلهم وسلامتهم النفسية والجسدية.