توفيق بوعشرين – بين ادعاء البطولة وأسئلة الماضي التي لا تموت

توفيق بوعشرين – بين ادعاء البطولة وأسئلة الماضي التي لا تموت

- ‎فيشن طن, واجهة
توفيق بوعشرين شن طن
إكسبريس تيفي

بقلم نجيبة جلال

منذ خروجه من السجن، يسعى توفيق بوعشرين لإعادة تقديم نفسه كأيقونة للمعارضة، محاولًا تحويل العقوبة التي قضاها، على خلفية قضايا أخلاقية تتعلق باستغلال جنسي ممنهج لأكثر من 12 صحفية وإدارية عملن تحت إمرته، إلى وسام يعلّقه على صدره، وصورة لصحفي منحاز للمظلومين ومضطهد من قوى لا يُسميها. خلف هذه الرواية التي يحاول نسجها، يقف الماضي شاهدًا، لا ليُدان أو يُبرأ، ولكن ليُسائل بوعي وهدوء: كيف وصل هذا الصحفي الأجير إلى امتلاك صحيفة ورقية في وقت عصفت فيه الأزمات بالمشهد الإعلامي، ولماذا يلتف الصمت حول مصادر تمويله؟

إنّ إدارة صحيفة ورقية ليست مجرد حلم يُحقق بالإرادة وحدها. إنها مشروع يتطلب موارد مالية طائلة لتغطية تكاليف الطباعة، التوزيع، أجور الصحافيين والإداريين، والمقرات المجهزة. وهي تحديات جعلت حتى أحزابًا سياسية عريقة تكافح للحفاظ على صحفها. ومع ذلك، نجح بوعشرين، في فترة وجيزة، فيما بدا مستحيلًا لغيره. أليس من حقنا، كجمهور وإعلاميين، أن نسأل: كيف نجح في ذلك؟ من أين جاءت هذه الموارد الهائلة؟ وما هي الخلفية الاقتصادية لهذا النجاح؟

في الديمقراطيات التي يُضرب بها المثل في الشفافية، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تُعد ملكية وسائل الإعلام وتمويلها قضية مركزية، تنظمها قوانين واضحة. توجيهات الشفافية الإعلامية في الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تفرض الكشف الكامل عن هياكل الملكية ومصادر التمويل، حمايةً للمشهد الإعلامي من تضارب المصالح، وضمانًا لنزاهة المحتوى الإعلامي واستقلاليته.

المغرب أيضًا لم يكن غائبًا عن هذا النقاش. فقد نصّ قانون الصحافة والنشر على ضرورة نشر المعلومات المتعلقة بالتمويل والأرباح، كجزء من التزام المؤسسات الإعلامية بالمنافسة النزيهة. ومع ذلك، ظل بوعشرين صامتًا عن كشف مصادر ثروته، متجاهلًا أهمية هذه الشفافية في تعزيز ثقة الجمهور وفي ضمان استقلالية الإعلام الذي يدعي الانتماء إليه.

وفي الوقت الذي يروّج فيه بوعشرين لنفسه كضحية لمؤامرات غامضة، فإن القضية التي أدين فيها لم تكن سوى مواجهة بينه وبين ضحاياه اللواتي لجأن إلى القضاء للمطالبة بحقوقهن. هذه القضية التي زلزلت الوسط الإعلامي، لم تكن ملفًا سياسيًا كما يحاول تصويره، بل جريمة جنائية استندت إلى شهادات وأدلة، وفُصل فيها وفق مسطرة قضائية واضحة.

إذا أراد بوعشرين اليوم أن يرتدي عباءة الصحفي المدافع عن الحرية، فعليه أن يبدأ أولًا بالإجابة على الأسئلة التي تحوم حوله: كيف تحول من صحافي بسيط إلى مالك مؤسسة إعلامية ضخمة؟ من موّل مشاريعه؟ وهل كانت مصادر التمويل هذه خاضعة للقوانين التي تحكم القطاع الإعلامي؟

الصحافة ليست مجرد أداة لبناء أمجاد شخصية، ولا درعًا يُستخدم للتهرب من المحاسبة. إنها مسؤولية مجتمعية، تستوجب النزاهة والشفافية قبل أي شيء آخر. وإن كان بوعشرين يطمح لأن يُنظر إليه كرمز للصحافة المستقلة، فإن السبيل إلى ذلك لا يكون برسم صورة مثالية مُزيّفة، بل بالتصالح مع الحقيقة، ومواجهة الأسئلة الشائكة بشجاعة وإقدام.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *