/نجيبة جلال
في عالم تحكمه القيم الإنسانية، تبقى الجرائم الجنسية وصمةً لا تغتفر، خصوصًا حين يرتكبها من يفترض بهم أن يكونوا أصواتًا للحق والعدل. الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي أمانة ومسؤولية، وأي شخص استغلها للتلاعب بالضعفاء أو ابتزاز الضحايا لا يمكنه أن يجد طريقًا للعودة، مهما حاول أن يرمم صورته أو يدفع البعض إلى تحويله إلى “أيقونة زائفة”.
من نيويورك إلى باريس، مرورًا بكندا، أظهرت التجارب الدولية أن العالم لا يتسامح مع المتورطين في قضايا الاستغلال الجنسي، مهما كانت أسماؤهم أو تاريخهم المهني. أمثال :مات لاور و تشارلي روز، رغم شهرتهم الطاغية، اختفوا تمامًا بعد فضائحهم، غير قادرين على العودة إلى الإعلام أو كسب ثقة الجمهور. في كندا، حاول جيان غوميتشي خجولًا العودة عبر بودكاست مستقل، لكن الجمهور رفضه بشدة، ليصبح عبرةً لمن يحاولون تجاوز خطوط الأخلاق والمبادئ.
وفي المغرب، تظل قضية توفيق بوعشرين علامة سوداء في تاريخ الصحافة الوطنية. إدانته باستغلال أكثر من 12 صحفية وإدارية لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل جريمة متكاملة الأركان أثبتها القضاء وأيدها الرأي العام. 15 عامًا من السجن ليست عقوبة قانونية فقط، بل إعلان صريح بأن هذا الشخص قد فقد كل شرعية مهنية وأخلاقية، وبأنه لا مكان له في المشهد الإعلامي مرة أخرى.
محاولات إعادة بوعشرين إلى الساحة الإعلامية – سواء عبر بودكاست أو بأي منصة أخرى – لن تكون إلا محاولة لتبييض صفحة مُدان قضائيًا وأخلاقيًا. من يسعى لصنع أيقونة من هذا الشخص إنما يساهم في تشويه صورة العدالة، ويبعث برسالة قاتمة للعالم بأن المغرب يمكن أن يُستثنى من موجة الأخلاقيات العالمية التي ترفض التطبيع مع جرائم الاستغلال الجنسي.
عودة بوعشرين، إن حدثت، ستكون إعلانًا بأن المصالح والنفوذ يمكن أن تهزم حقوق الضحايا والعدالة. وهي ليست مجرد إهانة للنساء اللواتي وقعن ضحايا لجرائمه، بل خيانة للمجتمع بأسره الذي يطمح إلى صحافة مسؤولة ونزيهة.
على المغرب أن يختار بين أن يكون مثالًا يُحتذى به في محاربة الإفلات من العقاب، أو أن يتحول إلى استثناء مشين في مجال العدالة والأخلاق. لا مكان لتوفيق بوعشرين، ولا مكان لبودكاسته، ولا مكان لمن يحاول إعادة تدوير رموز السقوط الأخلاقي. الصحافة هي ميدان الشرفاء، ومن خان هذه الأمانة لا يمكنه العودة إليها، مهما علا صوته أو كثرت محاولات البعض لتزييف الحقائق.
إن أخطر ما قد يواجهه مجتمعنا هو التساهل مع الجريمة، لا سيما حينما يرتكبها من كانوا في موقع السلطة أو التأثير. ولن يكون مستقبل المغرب في أيدٍ أمينة إلا إذا التزم بعدم التساهل مع المذنبين، أياً كانوا، وأياً كانت أجندة من يحاولون صنع الرموز من حطامهم.
فلا ودة لتوفيق بوعشرين إلى الساحة الإعلامية… وإلا فإن المغرب سيصبح استثناءً مخجلًا في التطبيع مع جرائم الاستغلال الجنسي.