إن العديد من الأحزاب المغربية بل جلها قامت على أسس أيديولوجية و فكرة الزعيم. فرغم ما كان لكل منها من تحديات، ومع ما عاشته من انقسامات، مازال منطق الزعامة هاجسا كبيرا داخل الأحزاب. أما التيارات التصحيحية داخل الأحزاب فهي تكاد تكون شبه دورية و حتى من قاد انقلابا ضد زعيمه الأسبق، ما يلبث يستأنس كرسيه حتى تولد حركة تصحيحية تنادي بإسقاط رأسه.
لم يعد الهاجس الوحيد في الأحزاب هو تكوين القاعدة، وكسب المناضلين، بل كل زعيم تراه يستنزف قواه و مجهودات مناصريه في حماية المنصب.
حتما كاريزما القائد هي عنصر أساسي لضبط أمور التسيير و لكن مصادر الخلاف ترتبط غالبا بتكييفات مختلفة لمبادئ الحزب و بالتالي يعتبرها البعض خروجا عن أيديولوجية الحزب و تطبيعا مع جهات أخرى.
هنا يتجلى مدى تخلف أحزابنا عن المواعيد السياسية، فتشبتها بأيديولوجيات عقيمة و تجاهلها للواقع يضعها في كرسي التخلف. لأن الأيديولوجيات سبب للانقسام والتجربة اتبتث أنها مجرّدة من أي فوائد سياسة فعلية، ولم يعد للحديث عنها في زمن الأزمات مكان يسمح به واقع مجتمعنا. لقد حان إعلان موتها و الاستيقاظ من عالم الخطب المغلوطة.
عصرنا اليوم لا يتسع إلا لثقافة الأنسنة والكونية بعد أن أثبتت الأيديولوجيات أنها سجن لمن يتبناها، و تبعده عن واقع المختلفين عنه لتخلق نوعا من التعصب لتصور معين للعالم والحياة والعلاقات الاجتماعية وللفرد وللقيم.
الرجوع إلى أمثلة عالمية لا يروق الكثير منا، لأن لبلدنا خلفيات سياسية و حمولة ثقافية لا يمكن مقارنتها. و لكن على أحزابنا على الأقل أن تعيد قراءة ورقة إخفاقاتها لكي تحدد مكانها في الصورة.
يسار أو يمين أو أيديولوجية إسلامية، الواقع هو أن التوجهات برمتها بعيدة عن توقعات الجيل.
ليس هذا خطأ الأحزاب فقط، فالمجتمع يرفض اليوم الخوض في النقاش الأهم ، مع المكون الأساسي. نعم نحن مجتمع يرفض الحديث مع وعن الجيل الجديد!
فكم هو متداول أن شبابنا غير قادرين على تولي الأمور، و كم هو يستفزنا عدم فهمهم للأشياء كما نفهمها نحن و تنكرهم لقضايا كانت ومازالت تؤرق الكثير منا.
لا نحب لباسهم و نمقت اللوكات التي يتبنوها. نراهم غير مسؤولين و ننبذ كل إبداعاتهم.
في الحقيقة، نحن لا نفهمهم و نتشبث بكوننا نملك الحقائق المطلقة، حقيقة زمننا و زمنهم! وفي كل ذلك جهل أو ربما تجاهل.
أحزاب اليوم تمثل عقليتنا و تناسبنا نحن، فتركيبتها الأصلية بمفهوم الزعامة والتعبئة الأيديولوجية لا تناسب جيل اليوم و الأحزاب كنظيراتها من مكونات المجتمع ترفض الاعتراف بالحقيقة الحية، التي شئنا أم أبينا ستتحكم في التطورات المجتمعية وعلى كل المستويات.
الواقع هو واقع الجيل الجديد الذي لا يطيق الاعتقال الفكري الذي يمارس عليه.
إن القاسم الانتخابي و الاجتهاد في تكريس الأيديولوجيات ومحاولات الإقناع وحتى خطاب الضحية لبعض الاحزاب استراتيجيات لن تجدي شيئا في تغيير ضعف أحزابنا اليوم مادام أباطرة السياسة يتجاهلون عندما لا يحتقرون لغة الجيل الجديد.