متابعة
على مدار 59 ولاية رئاسية تعاقب خلالها 46 رئيسا على حكم الولايات المتحدة الأميركية لم تحطم امرأة واحدة من قبل ذلك “السقف الزجاجي” للوصول إلى البيت الأبيض.
وتتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة لمتابعة تطورات الانتخابات الرئاسية التي تؤثر نتائجها على التوازنات السياسية والاقتصادية العالمية، خاصة أن المنافسة تبدو شرسة بين كامالا هاريس نائبة الرئيس الحالي والرئيس السابق دونالد ترامب.
ومع اقتراب هاريس للفوز ببطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي رسميا لرئاسيات نومبر المقبل يرى خبراء تحدثت إليهم الجزيرة نت أن حقيقة عدم وصول امرأة من قبل إلى الرئاسة اختبار حقيقي ومعقد للديمقراطية الأميركية يعود نقاشه إلى الواجهة في كل مرة تقترب فيها مرشحة من هذا المنصب.
نظام معقد
في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 تفوّق عدد الأميركيين الذين صوتوا لامرأة على أولئك الذين صوتوا لرجل بفارق كبير، إذ تجاوز الرقم 2.8 مليون صوت.
لكن المرشحة الديمقراطية آنذاك هيلاري كلينتون خسرت أمام دونالد ترامب بسبب نظام الانتخابات الأميركية الخاص الذي يعتمد على أصوات المجمع الانتخابي حسب الولايات.
وترى أستاذة العلوم السياسية في جامعة هوفسترا بنيويورك سوزانا بيروتي أن حقيقة عدم انتخاب امرأة من قبل في التاريخ الأميركي لا تعكس عدم وجود دعم شعبي عام للمرشحات النساء، لكن هذه الفئة تواجه -في نظرها- صعوبة تجاوز النظام الانتخابي المعقد الذي يفرض أن يحظى المرشح الفائز بأصوات أغلب أعضاء المجمع الانتخابي.
وهذا ما يستوجب -حسب بيروتي- حملات انتخابية إستراتيجية تركز على الولايات التنافسية الكبرى لدعم كامالا هاريس، لأن المرأة -في نظرها- تفوز عندما تحظى بدعم حزبها، مثلما حصل في الانتخابات النصفية لعام 2022 عندما قدّم الحزب الجمهوري عددا كبيرا من المرشحات للكونغرس، وحققن الفوز لأنهن ترشحن في “مناطق جمهورية آمنة” بشكل أساسي.
وتوضح أستاذة العلوم السياسية أن النساء يحققن عموما أداء أفضل في الانتخابات عندما يمثلن جزءا من قائمة مرشحين أو عند طموحهن أن يصبحن جزءا من مجموعة أكبر مثل الكونغرس أو في الأنظمة التي تتميز بالتمثيل النسبي، عكس الانتخابات الرئاسية التي يذهب -حسب اعتقادها- النظام فيها باتجاه التمييز ضد النساء والأقليات.
المرأة في الكونغرس
أكثر من نصف الرؤساء الذين حكموا أميركا خدموا قبل ذلك في إحدى غرفتي الكونغرس أو كلتيهما، لكن تمثيل النساء في أعلى مؤسسة تشريعية في البلاد يبقى متواضعا و”ضعيفا جدا” في نظر أميركيين.
في بداية ولاية الكونغرس الأميركي الحالي عام 2023 بلغ عدد النساء اللاتي أدين اليمين في مجلس الشيوخ 25 امرأة من أصل 100 مقعد، وهو أقل من الرقم القياسي الذي سجله المجلس في الكونغرس السابق والبالغ 26 عضوة، وتبلغ نسبة حضور النساء في مجلس النواب 28.7 في المئة من أصل 435 مقعدا.
ويعتبر حضور المرأة في مجلس الشيوخ حديثا نسبيا، حيث وصلت أول امرأة إلى المجلس عام 1922 وهي الديمقراطية ريبيكا فيلتون من ولاية جورجيا، وخدمت كمناوِرة سياسية يوما واحدا فقط، قبل أن تصبح نانسي كاسباوم -وهي جمهورية من ولاية كانساس- أول امرأة تخدم لـ3 ولايات في مجلس الشيوخ في الفترة بين 1978 و1997.
وفي عام 1916 أصبحت جانيت رانكين -وهي جمهورية من ولاية مونتانا- أول امرأة في مجلس النواب في فترة لم يكن فيها للنساء حق التصويت، ثم أصبحت نانسي بيلوسي -وهي ديمقراطية من كاليفورنيا- المرأة الوحيدة التي شغلت منصب رئيسة مجلس النواب، وذلك من عام 2007 إلى 2011، وتم انتخابها مجددا للمنصب نفسه بين عامي 2019 و2023.
ويشير تقرير لمركز “بيو” للأبحاث إلى أنه رغم تزايد نسبة تمثيل النساء في الكونغرس فإنه لا يزال 53% من الأميركيين يعتقدون أن هناك عددا قليلا جدا من النساء في المناصب السياسية العليا بالولايات المتحدة، كما يرى كثيرون عقبات كبيرة أمام المرشحات للوصول إلى هذه المناصب مقارنة بالرجال.
الخلفية العرقية
تمثل خلفية كامالا هاريس الأفريقية الآسيوية ودفاعها المعلن عن العدالة العرقية علامة فارقة في السياسة الأميركية، وذلك منذ توليها منصب نائبة الرئيس جو بايدن، لكونها أول امرأة تحتل هذا المنصب على الإطلاق.
ولا يستبعد إدموند غريب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون في حديث للجزيرة نت أن هناك من الأميركيين من لا يزالون يعتقدون أن المرأة لا تصلح لتولي منصب الرئاسة، لا لسبب آخر غير تعريفها الجنسي، لكن عدد هؤلاء أخذ يتقلص تدريجيا خلال العقود الأخيرة، خاصة بعد انتخاب باراك أوباما أول رئيس أميركي من أصل أفريقي عام 2008، وهو ما يعكس -في نظره- التحولات شبه الجذرية التي يعيشها المجتمع الأميركي.
وتنحدر كامالا هاريس من أسرة مهاجرة، والدتها هندية ووالدها جامايكي، وهو ما يمكن أن يلعب -حسب محللين- دورا مهما في تحفيز الأميركيين السود -خاصة النساء والشباب- على الإقبال على التصويت الذي تراجع خلال انتخابات الكونغرس الأخيرة.
وترى أستاذة العلوم السياسية سوزانا بيروتي أن هناك فائدة إضافية للانتماء العرقي لهاريس “فالنادي النسائي الذي انضمت إليه في جامعة هاورد “آلفا كابّا آلفا” يمثل قوة كبيرة، وسيشكل هذا التقليد المتمثل في شبكات دعم الأندية النسائية مصدرا مهما وسلطة هائلة لدعمها بالمال والأصوات”.