باحدة عبد الرزاق
يشهد المشهد السياسي في الجزائر وتونس تراجعا ملحوظا في الممارسات الديمقراطية، رغم ادعاءات الأنظمة الحاكمة بالعكس. في كلا البلدين، تتجلى مظاهر القمع السياسي وتقييد الحريات تحت غطاء حماية الاستقرار والأمن الوطني.
في الجزائر، تتهيأ البلاد لانتخابات رئاسية يبدو أنها محسومة سلفا لصالح الرئيس الحالي عبد المجيد تبون. فقد تم إقصاء منافسيه المحتملين عبر آليات قانونية وإدارية مشبوهة. رفض ملفات الترشح وتوجيه تهم الفساد أصبحت أدوات فعالة لتصفية الساحة السياسية من أي معارضة حقيقية.
عملية جمع التوقيعات للترشح تحولت إلى فخ للناشطين السياسيين، مع اعتقال العشرات بتهم تتعلق بشراء الأصوات. هذه الإجراءات القمعية تهدف لترهيب المعارضة وإبعادها عن المشهد السياسي.
أما في تونس، فقد انقلب الرئيس قيس سعيد على المسار الديمقراطي الذي بدأته البلاد بعد ثورة 2011. قام بحل البرلمان وتعديل الدستور، مركزا السلطات في يده وضاربا عرض الحائط بمبدأ فصل السلط.
آخر ضحايا هذا النهج الاستبدادي هي عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي صدر بحقها حكم بالسجن لمدة سنتين. هذا الحكم يعكس استخدام القضاء كأداة سياسية لإقصاء المعارضين والمنافسين السياسيين وتصفيتهم.
في كلا البلدين، تتراجع الحريات السياسية والمدنية بشكل ملحوظ. الصحافة الحرة تتعرض للتضييق، والنشطاء السياسيون يواجهون الاعتقال والملاحقة القضائية. كل هذا يجري تحت ستار حماية الأمن القومي ومكافحة الفساد.
النتيجة هي انتخابات شكلية في الجزائر وتونس، تفتقر إلى أبسط معايير النزاهة والشفافية. المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات تتراجع، مما يعكس فقدان الثقة في العملية السياسية برمتها.
هذا الواقع المرير يكشف زيف ادعاءات الديمقراطية في هذين البلدين. فما نشهده هو في الحقيقة نظام استبدادي يتستر بقناع ديمقراطي هش، يهدف فقط لخداع الرأي العام المحلي والدولي. إن استمرار هذا النهج سيؤدي حتما إلى مزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي، مهددا استقرار البلدين على المدى الطويل وأمن المنطقة المغاربية.
في ظل هذا المناخ السياسي المتوتر، تتعمق الفجوة بين الحكام والمحكومين في كل من الجزائر وتونس. فالأنظمة الحاكمة تسعى جاهدة للحفاظ على سلطتها، متجاهلة المطالب الشعبية بالإصلاح الحقيقي والتغيير الجذري.
في الجزائر، يستمر نظام تبون في تجاهل دروس الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. بدلا من الاستجابة لمطالب الشعب بتغيير حقيقي، يعمل النظام على إعادة إنتاج نفسه بوجوه جديدة، مع الحفاظ على نفس الهياكل والممارسات القديمة.
الاقتصاد الجزائري، المعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، يعاني من مشاكل هيكلية عميقة. لكن بدلا من معالجة هذه المشاكل جذريا، يلجأ النظام إلى حلول ترقيعية وسياسات شعبوية قصيرة المدى، تهدف فقط لتهدئة الشارع مؤقتا.
في تونس، يواصل الرئيس قيس سعيد تفكيك المؤسسات الديمقراطية التي نشأت بعد ثورة 2011. فبعد أن جاء إلى السلطة على موجة من الوعود بمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، انقلب على هذه الوعود وأصبح يحكم بشكل فردي، متجاوزا كل الضوابط الدستورية والقانونية.
الوضع الاقتصادي المتردي في تونس يزيد من حدة الأزمة السياسية. فالبطالة المرتفعة، وتدهور قيمة العملة، وارتفاع الأسعار، كلها عوامل تغذي الاستياء الشعبي. لكن بدلا من معالجة هذه المشاكل، يلجأ النظام إلى تشديد القبضة الأمنية وقمع أي صوت معارض.
في كلا البلدين، تتعرض منظمات المجتمع المدني والنقابات المستقلة لضغوط متزايدة. فالأنظمة الحاكمة ترى في هذه المنظمات تهديدا لسلطتها، وتسعى لتقييد نشاطها وتحجيم دورها في الحياة العامة.
الإعلام، الذي من المفترض أن يكون سلطة رقابية على أداء الحكومة، يتعرض لترهيب منهجي. الصحفيون المستقلون يواجهون التهديد والملاحقة القضائية، مما يؤدي إلى انتشار الرقابة الذاتية وتراجع حرية التعبير.
هذا الواقع المرير يهدد بنسف كل المكتسبات التي حققها الشعبين في نضالهما من أجل الحرية والكرامة. فبدلا من التقدم نحو نظام ديمقراطي حقيقي، نشهد عودة تدريجية إلى أساليب الحكم الاستبدادي القديم، وإن كان بأشكال جديدة.
إن استمرار هذا النهج سيؤدي حتما إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وقد يدفع البلدين نحو انفجار شعبي جديد، أكثر عنفا وأشد خطورة من سابقه. فالتاريخ يعلمنا أن كبت الحريات وتجاهل مطالب الشعوب لا يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار والفوضى.