نجيبة جلال
في عالم السياسة الدولية المتشابك، تصبح بعض الشخصيات قوى مؤثرة تتجاوز تأثير الحكومات والدول الكبرى. إيلون ماسك، مالك منصة X، يبدو أنه قد انضم إلى هذه الفئة من الشخصيات، حيث أصبح بفضل نفوذه التكنولوجي والاقتصادي والزخم الذي يرافق كل خطوة يقوم بها، زعيما بحد ذاته يتجاوز حدود الدول. وعلى هذا النحو، فإن قراراته وتصريحاته تثير القلق والترقب على الساحة الدولية.
إعلان ماسك عن عودة دونالد ترامب إلى منصة X وإجرائه حوارا معه كان كافيا ليثير قلق الاتحاد الأوروبي، الذي أصدر عبر مفوضه الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون، رسالة تحذيرية شديدة اللهجة. هذه الرسالة، على الرغم من أنها تأتي في إطار تطبيق قانون الخدمات الرقمية الأوروبي (DSA)، إلا أنها تعكس قلقًا أوروبيًا أعمق بشأن تداعيات عودة ترامب إلى الساحة السياسية، وما قد ينتج عنها من تغييرات جذرية في النظام الدولي القائم.
القلق الأوروبي من عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية ليس جديدا. فعلى الرغم من أن ترامب يشتهر بنهجه غير التقليدي وشعاره “أميركا أولا”، إلا أن هذا النهج يحمل في طياته تهديدا مباشرا للمصالح الأوروبية. ترامب، كرجل أعمال وسياسي، يتبنى رؤية اقتصادية بحتة تضع المكاسب المالية في مقدمة الأولويات. خلال فترة رئاسته الأولى، أبدى ترامب تشكيكا في فائدة التحالفات التقليدية مثل الناتو، مما أثار قلق الدول الأوروبية بشأن أمنها في وجه التهديدات الخارجية، وخاصة من روسيا.
السياسة “الترامبية” التي تعتمد على فك الارتباط عن الالتزامات الدولية التقليدية أثارت حفيظة القادة الأوروبيين. ترامب لم يتردد في سحب الولايات المتحدة من اتفاقيات دولية كبرى، معيدا صياغة العلاقات الدولية بشكل يخدم مصالح بلاده فقط، بغض النظر عن التأثيرات السلبية التي قد تترتب على حلفاء واشنطن التقليديين. لهذا، يخشى الأوروبيون من أن يؤدي عودة ترامب إلى تغيير جذري في التوازنات الدولية، مما قد يضعف التحالفات الغربية ويترك أوروبا عرضة لمزيد من التهديدات، خاصة في ظل استمرار التوترات مع روسيا.
الرسالة التحذيرية التي وجهها الاتحاد الأوروبي إلى ماسك تعكس أيضا مخاوف بشأن انتشار محتوى قد يؤدي إلى التحريض على العنف والكراهية في الاتحاد الأوروبي. فالمخاوف من تأثير ترامب على النقاشات العامة والخطاب المدني في أوروبا تعود إلى سمعته في استخدام الخطاب الشعبوي والتحريضي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية.
في هذا السياق، تكتسب المقابلة التي أجراها ماسك مع ترامب أهمية خاصة. فقد تابع أكثر من مليوني شخص المحادثة المباشرة على منصة X، على الرغم من المشاكل التقنية التي أدت إلى تأخير بث المقابلة لمدة 45 دقيقة، وهي مشاكل أرجعها ماسك إلى هجوم DDOS. المقابلة لم تمر دون تعليقات لاذعة من خصوم ترامب، حيث سخر فريق حملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس من المشاكل الفنية التي واجهتها، في إشارة إلى تعليقات سابقة لترامب انتقد فيها إطلاق الحملة الانتخابية لرون ديسانتيس على منصة X.
وفي المقابلة، أطلق ترامب تصريحات قوية تعكس توجهاته السياسية التي تثير قلقا عميقا في أوروبا. فقد تحدث عن الهجوم على إسرائيل، مؤكدا أنه لو كان في الرئاسة لما حدث، كما أشار إلى أن حرب أوكرانيا لم تكن لتحدث لو كان في السلطة. وتطرق إلى احتمالات نشوب حرب عالمية أخرى بسبب التوترات في الشرق الأوسط، وانتقد إدارة بايدن بشدة، واصفا إياها بالغبية.
هذه التصريحات، إلى جانب حديثه عن قضايا مثل التضخم، والاقتصاد الأميركي، والعلاقات مع روسيا والصين، تعزز المخاوف الأوروبية من عودة ترامب إلى السلطة. فالنهج العدائي والانعزالي الذي يتبعه قد يؤدي إلى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، مما يترك الاتحاد الأوروبي أمام تحديات جديدة قد تهدد استقراره وأمنه.
وفي الختام، يمكن القول إن القلق الأوروبي من عودة ترامب هو قلق متعدد الأبعاد، يمتد من المخاوف الأمنية إلى التهديدات الاقتصادية والتغيرات في النظام الدولي. وفي ظل هذا السياق المتشابك، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرًا للتعامل مع عودة محتملة لترامب بطريقة تضمن حماية مصالحه واستقراره، في وقت يشهد فيه العالم تغيرات جذرية على كافة المستويات.