باحدة عبد الرزاق
على غير المعتاد خلت كلمة وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف في قمة الصين-إفريقيا المنعقدة في بكين، لأول مرة منذ زمن طويل، من أي ذكر لجمهورية الوهم والعار بتندوف. هذا الحدث المثير للانتباه يفتح باب التساؤلات حول التحولات التي تشهدها الدبلوماسية الجزائرية، والتي لطالما كانت تقحم هذا الملف في كل اللقاءات والتظاهرات الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب مصالحها الاقتصادية والاجتماعية. يبدو أن النجاحات المتتالية للدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء، والدعم الدولي المتزايد للموقف المغربي، قد دفعت الجزائر لإعادة حساباتها بعد أن أدركت أن ورقة البوليساريو أصبحت خاسرة في الساحة الدولية.
لطالما كانت الجزائر توظف قضية الصحراء في محاولاتها لبناء تحالفات سياسية وجلب التأييد الإقليمي والدولي، ولكن مع مرور الوقت، أصبح واضحا أن هذه الاستراتيجية أضرت بعلاقاتها التقليدية مع عدد من الشركاء الدوليين. إذ أن العديد من الدول أصبحت تعي أن دعم جبهة البوليساريو هو دعم لقضية وهمية لا تخدم مصالح الشعوب ولا تساهم في تحقيق الاستقرار. هذا التحول في المواقف أتى نتيجة للجهود الدبلوماسية المغربية التي تميزت بالمرونة والحكمة بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ما جعل المغرب يحصد الدعم والتأييد في كل محفل دولي.
الجزائر التي طالما كانت تُصر على ذكر ملف الصحراء في جميع المحافل الدولية، وجدت نفسها الآن مضطرة للتهدئة وتجنب إثارة هذا الموضوع في قمة الصين-إفريقيا، وذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث يبدو أن الطغمة العسكرية الحاكمة لا ترغب في الظهور بمظهر المهزوم أمام المغرب، العدو الكلاسيكي كما وصفه الجنرال العجوز شنقريحة. فاختفاء خطاب البوليساريو في هذه القمة ليس إلا اعترافا ضمنيا بفشل الجزائر في استخدام هذا الملف كورقة ضغط، بعد أن باتت تخشى مواجهة المغرب الذي حصل على دعم دولي واسع لقضيته الوطنية.
وبينما كانت وسائل الإعلام التابعة للبوليساريو تروج دائما لشعارات “إنهاء الاستعمار” و”تقرير المصير”، جاءت هذه القمة لتؤكد على أن العالم بدأ يفهم الواقع الجديد للصراع حول الصحراء المغربية. كما أن غياب هذه الشعارات من خطاب عطاف يشير إلى أن الجزائر بدأت تدرك أن استمرار استخدامها لهذه الورقة لن يزيدها إلا عزلة. بعد أن تم استبعاد مرتزقة البوليساريو من اجتماعات الشراكة مع القارة الإفريقية في كل من جاكرتا وبكين، ما يعكس تراجع التأييد الدولي لهذا الكيان الوهمي.
إن قرار الجزائر بالتركيز على القضايا الاقتصادية في خطابها، وتجاهل الحديث عن البوليساريو، يعكس كذلك محاولتها للتكيف مع الواقع الجديد، إذ يبدو أن القادة الجزائريين أدركوا أن مصلحة بلادهم الاقتصادية أصبحت في خطر إذا ما استمروا في استخدام هذا الملف في محاولاتهم اليائسة للضغط على المغرب. فتحدث عطاف عن التزام الجزائر بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وتعزيز شراكتها مع الصين في مشاريع البنية التحتية، يعكس إدراكا متأخرا بأن المصالح الاقتصادية لا يمكن التضحية بها لأجل قضية خاسرة.
يبدو أن الجزائر أصبحت تحاول الحفاظ على ماء وجهها أمام الرأي العام الجزائري الذي بات يدرك أن قضية الصحراء المغربية ليست إلا ذريعة بائدة تمكن العسكر من خلق عدو على الحدود من اجل الاستمرار في السيطرة على مقاليد الحكم.