الحرب الخفية في الجزائر.. كيف يتحكم الجيش في رئاسة الجمهورية

الحرب الخفية في الجزائر.. كيف يتحكم الجيش في رئاسة الجمهورية

- ‎فيدولي, واجهة
تبون
إكسبريس تيفي

باحدة عبد الرزاق

يتساءل الكثير من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالتصريحات الإعلامية المثيرة للسخرية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن السر وراء هذه التصريحات التي لا نكاد نراها إلا في الجارة الشرقية. فهل من المعقول أن يتحدث رئيس دولة بخطاب مليء بالأخطاء والمعلومات المغلوطة التي لا يصدقها حتى المقربون منه؟ في الحقيقة، هذه التصريحات ليست سوى انعكاس لسيطرة الجنرالات على مقاليد الحكم في الجزائر.

منذ الإطاحة بنظام بوتفليقة، بات من الواضح أن المؤسسة العسكرية تعمل على إضعاف مؤسسة الرئاسة لتظل القوة الحقيقية خلف الكواليس. ما يظهر من ضعف تبون ليس إلا جزءا من استراتيجية محكمة تهدف إلى إبقاء الجيش مهيمنا على المشهد السياسي، بينما تقدم الرئاسة كواجهة شكلية ضعيفة.

الجيش الجزائري يعتمد على سياسة مدروسة تقوم على اختيار شخصيات ضعيفة مثل تبون لتولي الرئاسة، بحيث يسهل التحكم بها. هذه الشخصيات ليست إلا دمى في أيدي الجنرالات الذين يفضلون رؤساء عاجزين عن اتخاذ قرارات مستقلة. في عهد بوتفليقة، كان للرئاسة نفوذ يكاد يضاهي الجيش، لكن منذ ذلك الحين أعيد تشكيل النظام لتعزيز سيطرة الجيش المطلقة.

تصريحات تبون المثيرة للسخرية ليست مجرد انعكاس لضعف الكفاءة، إذ إن هناك أقساما متخصصة في التواصل داخل كل رئاسة جمهورية تسعى لتقديم الرئيس بصورة تليق بمكانة الوطن وهيبته. عادة ما يتم تعديل الخطابات وتحريرها قبل بثها، ولكن ما يثير الاستغراب هو أن التصريحات تخرج بشكلها الفج، ولا يتم قصها إلا بعد الضجة التي يمكن ان تحدثها احدى مغالطاته، الهدف من هذا النهج هو إبراز رئيس ضعيف يبدو عاجزا عن التعامل مع القضايا الحساسة. فإذا تأملنا جيدا، سيظهر لنا تبون وكأنه يعيش في عالم مواز بعيدا عن معاناة الشعب الجزائري وأزماته، يتحدث عن “جزائر ثالثة اقتصاديا على المستوى العالمي وقوة ضاربة” في وقت يرزح فيه الشعب تحت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

انتخاب تبون لم يكن إلا خطوة أخرى في مسرحية الجنرالات، في انتخابات تفتقر للمنافسة الحقيقية والمشاركة الشعبية. فتبون كان الخيار الذي فرضته المؤسسة العسكرية ليكون رئيسا شكليا، بينما تظل القرارات المصيرية بيد الجنرالات. هذه الانتخابات لم تكن سوى واجهة لإظهار ديمقراطية زائفة أمام الإعلام، تم استخدام الجنود بزي مدني لملء مراكز الاقتراع بشكل غبي، دون الانتباه إلى قصات الشعر العسكرية التي فضحت التزوير.

استراتيجية الجيش في تنصيب شخصيات مثل تبون تهدف إلى الحفاظ على مصالحه. فهو لا يريد رئيسا قويا يمكنه تحدي النظام القائم، بل يفضل رئيسا يمكن التلاعب به بسهولة. هذا يضمن استمرار هيمنة الجيش ويمنع أي محاولات للإصلاح أو التغيير. وتبون لا يشكل تهديدا للجنرالات، ما يجعله الرئيس المثالي بالنسبة لهم.

تبون الذي يتحدث عن الاقتصاد وكأنه في أوج قوته، بينما يرزح الجزائريون تحت أزمة خانقة. ويتحدث عن الحريات العامة، بينما الجزائر تتعرض لانتقادات دولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. هذا الانفصال الواضح عن الواقع يعزز القناعة بأن الرئاسة في الجزائر ليست إلا واجهة بلا تأثير حقيقي.

بعد انتخابات السابع من شتبر، تبقى الجزائر رهينة لحكم الجنرالات، وتظل الرئاسة مجرد أداة لتغطية هذه الحقيقة. تصريحات تبون، مهما بدت مثيرة للسخرية، ليست تعبيرا عن شخصه فقط، بل هي انعكاس لنظام بأكمله يعتمد على الخداع والتلاعب. وفي ظل هذه المعطيات، لا يمكن الحديث عن أي تغيير حقيقي في الجزائر طالما استمر الجيش في السيطرة المطلقة على مقاليد الحكم.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *