تشهد العلاقات الدولية تطورات ملحوظة في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية الحالية، حيث يبرز التعاون الروسي المغربي كأحد أبرز الأمثلة على هذه التغيرات. في السنوات الأخيرة، أصبحت روسيا تفضل المغرب على الجزائر، وهو تفضيل يعكس التطورات الاستراتيجية والتغيرات العالمية التي يشهدها العالم.
تأتي هذه القفزة في العلاقات الروسية المغربية في وقت تتزايد فيه التحديات الجيوسياسية وتتحرك فيه القوى الكبرى لتوسيع نفوذها. روسيا، التي تسعى إلى تعزيز علاقاتها الدولية وتوسيع دائرة تأثيرها في مواجهة الضغوط الغربية، وجدت في المغرب شريكا استراتيجيا ذا قيمة كبيرة. المغرب، بفضل موقعه الجغرافي الفريد على ضفاف المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يمثل بوابة هامة للتعاون الاقتصادي والسياسي مع روسيا.
في المقابل، بينما كانت الجزائر تتفاخر بقدراتها العسكرية المتطورة والمشتراة من روسيا مثل نظام الدفاع الجوي “S-300” و”S-400″، فإن روسيا قد اختارت تقديم دعمها وتعزيز علاقتها بالمغرب. هذا التفضيل الروسي يتجاوز مجرد الاعتبارات العسكرية، بل يعكس تقديرا للخصائص الفريدة للنظام المغربي. فالنظام الملكي في المغرب، بقيادة الملك محمد السادس نصره الله، يوفر عنصر الاستقرار والتوازن في السياسة المغربية. فجلالة الملك يرمز إلى قيادة حكيمة وقادرة على التكيف مع التغيرات العالمية، وهو ما يجعله شريكا موثوقا في عين روسيا.
الجزائر، من جانبها، تعاني من أزمات داخلية وصراعات سياسية قد تؤثر على قدرتها في تقديم نموذج متماسك ومستدام من التنمية. النظام الجزائري يواجه تحديات اقتصادية وإصلاحية كبيرة، وهو ما يجعله أقل جاذبية كحليف استراتيجي مقارنة بالمغرب. عدم الاستقرار السياسي في الجزائر يعوق قدرتها على تطوير علاقات استراتيجية قوية مع القوى الكبرى مثل روسيا.
العلاقات بين المغرب وروسيا تعززت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث تم تبادل الرسائل بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الروسي سيرجي لافروف. هذه الرسائل تناولت التعاون في مجالات متعددة مثل الطاقات النووية السلمية والطاقات المتجددة، مما يعكس مستوى عال من التنسيق والتعاون بين البلدين. هذا التعاون الاستراتيجي يوضح أن المغرب يملك القدرة على تحقيق مصالح مشتركة مع روسيا بطرق أكثر فعالية من الجزائر.
يمكن القول إن تفضيل روسيا للمغرب على الجزائر يعكس تحولا في المشهد الجيوسياسي العالمي. النظام المغربي، بفضل استقراره السياسي ومرونته الاستراتيجية، يقدم نموذجا متميزا يجذب الانتباه الروسي. هذا النموذج يبرز المغرب كشريك قوي وفعال في السياسة العالمية، مما يعزز موقعه على الساحة الدولية ويجعل روسيا ترى فيه فرصة استراتيجية ذات قيمة عالية.