تبون يدعوا لمسرحية جديدة عنوانها “الحوار وطني”

تبون يدعوا لمسرحية جديدة عنوانها “الحوار وطني”

- ‎فيدولي, واجهة
تبون
إكسبريس تيفي

بعد أن انتخب زورا رئيسا للجزائر في سيناريوهات مكشوفة من تخطيط “الكابرانات”، كرر عبد المجيد تبون سرد ما أسماه “إنجازات” ولايته الأولى مع تعهده بمضاعفتها في ولايته الثانية، ثم فاجأ الجميع بإطلاق دعوة إلى “حوار وطني” لتعزيز الديمقراطية، كما وصفه. هذه الدعوة سرعان ما قوبلت بترحيب من أحزاب الأغلبية التي سارعت بالترويج لها، بينما وضعت بعض الأحزاب المعارضة الصغيرة شروطا للمشاركة. أما الإعلام العسكري، فقد صور الحوار وكأنه قد انعقد بالفعل وحقق نجاحا باهرا، رغم أن التساؤلات تتزايد في الشارع الجزائري: هل يملك النظام فعلا القدرة والإرادة لتنظيم “حوار وطني” حقيقي يمكن أن يسهم في تعزيز الديمقراطية بالجزائر؟

لغويا، لكي نسمي ما تدعو إليه السلطة “حوارا”، يجب أن تتوفر له معايير معينة، ونفس الشيء ينطبق على وصفه بـ”الوطني”.

فالحوار يتطلب أن يكون خاليا من أي إملاءات من أي طرف مشارك، سواء في اختيار مواضيعه، الآراء المطروحة، الخطوط الحمراء، أو النتائج المتوقعة. فهل كانت السلطة الجزائرية، المحكومة بالجنرالات، يوما ما مستعدة لحوار بهذه الشروط؟ وهل يمكن الوثوق باستعدادها ونواياها هذه المرة؟

وكيف يمكن الوثوق بأن الحوار سيكون حرا ومفتوحا في بلد يمنع نوابه بالقانون من مناقشة الشؤون الخارجية أو العسكرية؟ فهل يمكن أن تكون سلطة الحاضرين للحوار أقوى من سلطة نواب الشعب الذين يمنعون من مناقشة سياسة تبون الخارجية، أو الشؤون العسكرية لشنقريحة ومهنا؟

وبالمثل، لكي يكون هذا الحوار “وطنيا” بحق، لا بد أن يكون تمثيليا، ويشمل كل الأطراف الفاعلة في الوطن، بدءا من الأحزاب المحظورة مثل جبهة الإنقاذ، مرورا بهيئات المجتمع المدني وعلى رأسها الحقوقيين، وصولا إلى ناشطي الحراك الشعبي، الذين يقبع كثير منهم في السجون. فهل النظام وجنرالاته، المدنيون منهم والعسكريون، مستعدون للجلوس مع هذه الأطراف، خاصة وأنه من المستحيل نزع صفة “الوطنية” عنها؟

ولنفرض أن النظام وافق على هذه الاشتراطات، هل يمكن تصور أن يسمح لأطراف الحوار بالتحكم في أجندته ومواضيعه؟ هل يملك أي طرف جالس على طاولة الحوار الحق في طرح مواضيع تؤثر على مستقبل الجزائر ورفاهية مواطنيها؟

ولتوضيح الفكرة أكثر، هل يمكن أن يسمح بمناقشة موضوع إغلاق الحدود مع المغرب، وآثاره الاجتماعية والاقتصادية على الجزائريين؟ أو تساؤلات حول استمرار دعم البوليساريو، وتمويلها لعقود طويلة بالمليارات؟ هل يمكن أن يسمح بنقاش حول دور الجيش والمخابرات في الحياة السياسية؟ أو حول التوتر المستمر بين منطقة القبائل والنظام؟ إذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة “لا”، فكيف يمكن أن نطلق على ما يجري “حوارا وطنيا” في ظل غياب هذه القضايا الوطنية الكبرى؟

إذا، لماذا يدعو النظام إلى هذا “الحوار”؟ هل هو استشعار لخطر يتهدد النظام؟ أم هو محاولة لإلهاء الرأي العام وحرف انتباهه؟

الإجابة هي مزيج من الاثنين، مع ترجيح السبب الأخير. فالنظام، الذي أنهكته صراعات أجنحته الثلاثة (الجيش، المخابرات، والرئاسة)، بحاجة إلى “عرض” إعلامي يحاول إضفاء مساحيق التجميل على وجهه المتهالك، ومنحه بعضا من الحيوية التي يفتقدها شيوخه الثمانينيون.

في الوقت ذاته، فإن البهرجة المحيطة بما يسمى “الحوار الوطني” تهدف إلى إلهاء الرأي العام عن الصراعات الداخلية المرشحة للتصاعد. إنها محاولة لتأجيل المواجهة المحتومة بين الأجنحة المتصارعة، وربما التوصل إلى تسوية مستحيلة قد تسمح ببعض “التجديد” في صفوف قادة النظام، على أمل تمديد عمره ولو قليلا.

إن مشاكل النظام العسكري في الجزائر هيكلية، متجذرة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، ولا يمكن إيجاد حلول لها، سواء ذاتيا أو موضوعيا. وأي “حوار وطني” في ظل هذه الظروف لن يكون إلا محاولة فاشلة لتخفيف أزمات النظام، لأن هذه المحاولات ستصطدم دائما بجدار المحرمات والخطوط الحمراء، وأبرزها دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.

إن ما يطلقه الرئيس تبون من تصريحات وما يروج له من “حوار” ليس سوى دعاية فاشلة، يعلم هو وجنرالاته أنها لن تغير شيئا من حياة الجزائريين، ولن تمنح النظام سوى بعض الوقت الإضافي قبل أن يعاود شبح الحراك الشعبي الظهور. “الحوار الوطني”، إذا كتب له أن يبدأ، لن ينتهي إلا كغيره من مبادرات تبون، موضوعا للسخرية داخل الجزائر وخارجها، ومزيدا من فقدان المشروعية لهذا النظام الذي أوشك على الانهيار!

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *