يبدو أن النظام الجزائري قد أضاف حلقة جديدة إلى مسلسل العشوائية في إدارة شؤون البلاد، هذه المرة عبر بوابة السينما. قرار الرئيس عبد المجيد تبون بإطلاق مناقصة دولية لإنتاج فيلم حول الأمير عبد القادر ليس إلا مشهدا جديدا من عبثية النظام في التعامل مع الثقافة والفن. فالسينما، كما يعلم الجميع، ليست ملعبا للبيروقراطية التي تدير مناقصات مشاريع الصرف الصحي أو تعبيد الطرقات. لكن، ها هو الرئيس يخلط الأوراق ويدعو العالم للمشاركة في إنتاج فيلم “عالمي” عبر مناقصة، وكأننا بصدد بناء ناطحة سحاب أو جسر عابر للقارات.
وسائل الإعلام الجزائرية، التي لا تدخر جهدا في تمجيد كل خطوة يصدرها قصر المرادية، تلقفت هذا القرار بحماس مفرط، وبدأت تطبل له وكأنه إنجاز تاريخي غير مسبوق. لكنها، وكعادتها، تغفل عن سؤال جوهري: ما علاقة المناقصات بإنتاج الأفلام؟ ألا يعلم الرئيس ومستشاروه أن الفن يتطلب إبداعا وخبرة؟ أن السينما هي مساحة للمخرجين والفنانين، لا لمهندسي المقاولات؟ هذا الخلط بين الإبداع والمناقصات يكشف عن جهل صارخ، ليس فقط بشؤون السينما، بل بإدارة البلاد عموما.
أما الشعب الجزائري، فقد استقبل هذا الخبر بالسخرية المريرة. وفي وقت تعاني فيه البلاد من نقص في المستشفيات والمدارس والبنية التحتية الأساسية، وايضا من انتشار الأوبئة الفتاكة في الجنوب، يبدو أن النظام قرر أن الأولوية الآن هي لإنتاج فيلم ضخم. وهنا يكمن التناقض الفاضح: ما فائدة فيلم عن بطل مقاوم إذا كان الشعب الذي يفترض أن يخلد ذكراه يئن تحت وطأة الفقر والتهميش؟ “كان الأجدر بناء مستشفى يسعد الأمير في مرقده” قالها أحد المعلقين بمرارة، ملخصا بذلك شعورا مشتركا بين الجزائريين.
وربما تكون الفضيحة الأكبر هي المغالطة التاريخية التي روج لها تبون، عندما زعم بأن جورج واشنطن أهدى الأمير عبد القادر مسدسات محفوظة الآن في الجزائر. كيف سيعالج الفيلم هذا اللقاء الخيالي؟ هل سنرى واشنطن يسلم مسدسه للأمير في لقطة ملحمية؟ التاريخ يرفض ذلك، ولكن السينما في عهد تبون قد تجيزه.
مشروع الفيلم هذا ليس الأول من نوعه. ففي عام 2012، كانت هناك خطط مماثلة مع مخرج أمريكي، وماذا كانت النتيجة؟ لا شيء سوى تبديد الميزانيات واستعراض جديد للنظام. وبالموازاة مع ذلك، قررت الحكومة في العام الماضي بناء تمثال ضخم للأمير بتكلفة خيالية، ليتفوق بثلاثة أمتار على تمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو. مرة أخرى، يواصل النظام هوسه بالمشاريع الرمزية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومع كل هذه المشاريع الضخمة، يبقى السؤال مطروحا: ما الأولوية في الجزائر؟ هل هو تمثال عال وفيلم سينمائي ضخم، أم تحسين حياة المواطن؟ يبدو أن الإجابة واضحة، لكنها تكشف عن فشل ذريع في فهم احتياجات الشعب، وتعكس تناقضا صارخا بين ما يريده النظام وما يريده الجزائريون.