لم يكن هشام عبود، المعارض الجزائري والصحفي المقيم في فرنسا، يتخيل أن رحلته إلى برشلونة في 17 أكتوبر ستتحول إلى كابوس يهدد حياته. «لقد رأيت الموت بعيني»، هكذا بدأ عبود رواية تفاصيل اختطافه من قبل عصابة إجرامية مرتبطة بالمخابرات الجزائرية. في تلك الليلة المروعة، تعرض عبود للاعتداء، حيث عصبت عيناه وأوثق معصماه بقوة، ليتم اقتياده إلى مكان مجهول. عبود، المعروف بمواقفه الحادة ضد النظام الجزائري، روى في بث مباشر على قناته بمنصة «يوتيوب» قصة نجاته المعجزة التي بدأت بعد أن ظن أن حياته قد انتهت.
عبود أوضح أنه تعرض للاختطاف بينما كان يتجول في برشلونة، حيث هاجمه أربعة رجال ملثمين. هؤلاء المهاجمون، الذين كانوا مسلحين، سرقوا منه أغراضه، بما في ذلك وثائقه الثبوتية وهواتفه، ودفعوه عنوة إلى سيارة قبل أن ينطلقوا بسرعة نحو مالقة. خلال هذه الرحلة التي استمرت أكثر من 24 ساعة، حاول عبود الهروب عدة مرات، ولكنه كان يدرك أن مصيره هو الترحيل القسري إلى الجزائر. وأشار إلى أنه سمع حديثا بين العصابة ومسؤولين في الجزائر، حيث تأكد أن اختطافه كان مخططا بإحكام لنقله إلى الجزائر وتسليمه لجلادي النظام الذين سبق أن فضحهم في أعماله الصحفية.
في إحدى اللحظات الحرجة، اقتيد عبود إلى مبنى مهجور بضواحي برشلونة حيث وعدوه بلقاء «الشاف»، الذي زعموا أنه سيتفاوض معه. في تلك اللحظات، لم يكن لدى عبود سوى الصلاة والدعاء لإنقاذه من المصير المحتوم. ورغم خطورة الموقف، احتفظ عبود بحس الفكاهة الذي يميزه، إذ قال في البث المباشر: «لم أكن أخشى التعذيب أو حتى الموت، لكن ما كان يرعبني هو أن يتم التلاعب بي أمام الإعلام الجزائري وأن يصوروني مهانا».
اللحظة الحاسمة في قصة عبود جاءت في صباح يوم السبت، عندما كانت العصابة تستعد لنقله عبر نهر في قرية لابريخا إلى يخت لتهريبه إلى الجزائر. في تلك الأثناء، داهمت قوات الحرس المدني الإسباني المكان، بعد أن كانوا في عملية منفصلة تهدف لإحباط عملية تهريب مخدرات. نتيجة لهذا التدخل غير المتوقع، هربت العصابة تاركة عبود خلفها. تم إنقاذه عن طريق الصدفة، واعتقل اثنان من المجرمين بينما لاذ الآخرون بالفرار. بعد إنقاذه، نقل عبود إلى المستشفى لتلقي العلاج من الإصابات الجسدية والنفسية التي تعرض لها.
أما عن الجهة المسؤولة عن هذا الاختطاف، فقد أوضح عبود أن العملية لم تكن من تدبير المخابرات الخارجية الجزائرية كما قد يتوقع البعض، بل كان العقل المدبر هو الجنرال عبد القادر حداد، المعروف بلقب «ناصر الجن»، الذي يشغل منصب رئيس المخابرات الداخلية الجزائرية. وفقا لعبود، فإن ناصر الجن هو من خطط لهذه العملية بهدف الانتقام منه، بعد أن أقنع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه قادر على جلب عبود إلى الجزائر.
وأضاف عبود أن هذه العملية كلفت النظام الجزائري مليون يورو، تم دفعها للعصابة لتنفيذ الاختطاف، لكنه سخر من فشلها قائلا إن ما وصفه بـ «نظام العرايا» قد فضح نفسه بتورطه غير الاحترافي في هذه العملية. بعد نجاته، عبر عبود عن امتنانه الكبير لقوات الحرس المدني الإسباني، خاصة عناصر فرقة لابريخا التي أنقذته في اللحظات الأخيرة.
من جانبه، أوضح عبود أن محاميه، دليل الصقالي مولاي عبد الجليل، سيتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد هذا العمل العدائي الذي وصفه بأنه هجوم على حرية الصحافة، متعهدا بمطالبة الحكومة الإسبانية بإدانة تورط النظام الجزائري في استخدام منظمات إجرامية لتنفيذ عمليات اختطاف على الأراضي الإسبانية.