سوريا.. دروس المصالح في لعبة الأمم

سوريا.. دروس المصالح في لعبة الأمم

- ‎فيدولي, واجهة
IMG 20241208 WA0123
إكسبريس تيفي

 

إكسبريس تيفي/ نجيبة جلال:

في خضم الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا مؤخرًا، تتجلى حقيقة واضحة لا لبس فيها: منطق المصالح هو القوة المحركة في السياسة الدولية. سقوط نظام بشار الأسد لم يكن مجرد نهاية نظام سياسي متهاوٍ، بل كان انعكاسًا لتحولات جذرية في التوازنات الإقليمية والدولية. لم تكن الهزيمة وليدة لحظة أو نتيجة خطأ عابر، بل جاءت كتتويج لمسار طويل من العزلة، العقوبات، وضيق الخيارات أمام نظام لم يستوعب متغيرات الزمن.

روسيا، اللاعب الأبرز في المشهد السوري، اتخذت قرارًا غير مسبوق بالتخلي عن دعم الأسد. ليس خيانةً، بل تضحية فرضتها حسابات أكبر، حيث أضحت حماية حدودها الغربية أمام التهديدات الأوكرانية أولوية تتقدم على الاحتفاظ بموطئ قدم في المتوسط. أما تركيا، فقد استغلت الفراغ للضغط عسكريًا، في لحظة تتقاطع فيها المصالح مع الولايات المتحدة وإسرائيل، على حساب خصومها التقليديين.

إيران بدورها انسحبت تكتيكيًا من المشهد، مفضلة التريث، وسط حسابات معقدة تتعلق بموازين القوى الإقليمية واحتمالات الصدام مع واشنطن. بينما إسرائيل تنتظر فرصة تاريخية قد يقدمها ترامب في مواجهة إيران، فإن حزب الله يجد نفسه في مأزق وجودي بعد فقدان خط الإمداد السوري.

الدول لا تحكمها العواطف ولا التحالفات التاريخية، بل المصالح المتغيرة. روسيا ضحت بسوريا من أجل أمنها القومي، وتركيا وظفت اللحظة لتعزيز نفوذها، بينما تراقب الصين المشهد بصمت، مدركة أن استنزاف خصومها هو أكبر مكسب لها. سوريا اليوم ليست إلا صفحة جديدة في كتاب “لعبة الأمم”، حيث لا رابح دائم ولا صديق أبدي، بل مصالح تتقاطع وتتصادم لتشكل ملامح الشرق الأوسط الجديد.

هذا المشهد الفوضوي يعيد تذكيرنا بأن العالم محكوم بمنطق المصالح البحتة. القيم والمبادئ التي تروج لها الدول ليست سوى غطاء يبرر التحركات التي تخدم مصالحها الاستراتيجية. وما يحدث في سوريا اليوم قد يكون نقطة فاصلة، لكن دروسه أبدية: في لعبة الأمم، من لا يفهم قواعد المصالح، سيجد نفسه دائمًا على هامش التاريخ.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *