بقلم نجيبة جلال
حادثة ماغديبورغ التي نفذها الطبيب السعودي طالب، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من مئتين، تكشف تناقضات مقلقة في شخصية منفذها. طالب الذي قدم نفسه لسنوات كناشط ناقد للإسلام ومدافع عن حقوق الإنسان، انتهى به المطاف كمرتكب لجريمة إرهابية صادمة. هذا التناقض يدفع للتساؤل عما إذا كان طالب يمارس “التقية”، وهي أسلوب يقوم على إخفاء النوايا الحقيقية تحت ستار معتقدات أو مواقف ظاهرية.
التقية، في مفهومها، وسيلة تستعمل غالبًا لتجنب الاضطهاد، لكنها تتحول في يد الإرهابيين إلى أداة تضليل متقنة. طالب الذي كان يُعرف بتصريحاته المناهضة للإسلام، وبانتقاده للنظام السعودي وسياسته، بدا وكأنه يدافع عن قضايا حقوق الإنسان، لكنه في النهاية ارتكب فعلاً وحشيًا يحمل بصمات التطرف. من خلال هذه الازدواجية، قد يكون طالب قد تعمد استغلال مواقفه العلنية كغطاء لحماية نفسه من الشبهات أثناء التخطيط لجريمته.
ما يزيد الأمر تعقيدًا هو التحذيرات المتكررة التي أطلقتها السعودية تجاهه. وفقًا لتقارير صحفية، أبلغت السلطات السعودية ألمانيا ثلاث مرات عن خطورة طالب وسلوكه المتطرف، استنادًا إلى أدلة من منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك، تجاهلت السلطات الألمانية تلك التحذيرات واعتبرتها ذات دوافع سياسية، وسمحت لطالب بالحصول على اللجوء تحت مبرر كونه مضطهدًا سياسيًا. هذا التجاهل يعكس أزمة حقيقية في تعامل الأنظمة الغربية مع التحذيرات الأمنية، حيث يتم غالبًا إسقاط أي اعتبار أمني لصالح افتراضات سياسية قد تكون في غير محلها.
طالب، الذي وصف نفسه بأنه “أشد منتقدي الإسلام عدوانية”، والذي دعا السعوديات اللاجئات إلى تجنب ألمانيا، كان يقدم صورة مختلفة تمامًا عما انتهى به المطاف إليه. التحولات في خطابه وسلوكه تكشف عن استراتيجية مزدوجة؛ استغل فيها قيم الديمقراطية الغربية ليحمي نفسه، بينما كان في الوقت ذاته يعد لتنفيذ جريمة إرهابية مروعة.
هذا الحدث يفرض على الدول الغربية، ومنها ألمانيا، إعادة النظر في معايير منح اللجوء وتعاملها مع قضايا التطرف. فالاعتقاد بأن كل تحذير أمني هو مؤامرة سياسية قد يكلف أرواحًا بريئة، كما حدث في ماغديبورغ. الإرهاب الحديث يتطور، ويستغل الثغرات في الأنظمة الديمقراطية، خاصة حين يُسمح له بالاختباء خلف أقنعة حقوق الإنسان والاضطهاد السياسي.
القضية أكبر من كونها حادثة منفردة؛ إنها درس مرير حول خطورة الثقة المطلقة بالمظاهر والخطابات، وحول الحاجة إلى اليقظة أمام تهديدات تتخفى بمهارة خلف الشعارات الزائفة. طالب لم يكن مجرد فرد مضطرب، بل كان نموذجًا متطورًا للخطر الذي يمكن أن يتسلل إلى المجتمعات إذا لم يتم التصدي له بصرامة وفهم عميق.