يتخبط النظام الجزائري في واحدة من أعقد أزماته السياسية والدبلوماسية، بعد سلسلة متوالية من الضربات التي كشفت عزلة متزايدة وتراجعاً خطيراً في مصداقيته الإقليمية والدولية.
في محيطه الإقليمي، وجّهت ثلاث من دول الساحل الأفريقي—مالي، النيجر، وبوركينا فاسو—اتهامات مباشرة إلى الجزائر بدعم الجماعات الإرهابية، معتبرة إياها جزءاً من المشكلة الأمنية في المنطقة، وليس جزءاً من الحل. هذا الموقف غير المسبوق يعكس تحولاً عميقاً في نظرة هذه الدول إلى الجار الشمالي، الذي طالما سعى لتقديم نفسه كوسيط سلام.
الأزمة لا تتوقف عند حدود الساحل. دوليا، تلقى النظام الجزائري صفعة جديدة بعد تأكيد الإدارة الأمريكية موقفها الثابت باعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً وحيداً وواقعياً لقضية الصحراء المغربية. هذا الاعتراف يعزز الدعم الدولي المتنامي لمقترح الرباط، ويدفن عملياً أوهام “تقرير المصير” التي يروج لها النظام الجزائري.
فرنسا وإسبانيا بدورهما حسمتا موقفيهما بشكل واضح، بتأكيدهما أن السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية أمر غير قابل للنقاش. باريس ومدريد أصبحتا تعتبران قضية الصحراء مسألة سيادة وطنية مغربية لا جدال فيها، وهو ما عمّق عزلة الجزائر أوروبياً.
الأزمة بلغت مستوى غير مسبوق بعد إعلان فرنسا عن توقيف موظف دبلوماسي جزائري يعمل بالقنصلية الجزائرية في مرسيليا، متورط في التخطيط لمحاولة اغتيال معارض جزائري مقيم بفرنسا. الحادثة أثارت صدمة في الأوساط السياسية الفرنسية، وأعادت العلاقات الثنائية إلى دائرة التوتر والانكماش.
في الكونغرس الأمريكي، يتجه عدد من أعضائه إلى تقديم مشروع قانون يصنف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي. المشروع يعكس وعياً أمريكياً متزايداً بخطورة هذا الكيان المسلح وعلاقاته المريبة مع جماعات مسلحة في الساحل والصحراء، ويهدد بفضح البنية الداعمة له إقليمياً.
كل هذه المعطيات تكشف ملامح مأزق داخلي وخارجي يعيشه النظام الجزائري. عزلة دبلوماسية، فشل في بناء تحالفات استراتيجية، وتصاعد الاتهامات المباشرة بدعم الإرهاب. النظام الذي أنفق الملايير على دعايات انفصالية، بات اليوم محاصراً بقرارات سيادية من عواصم كبرى، ومتهماً إقليمياً في ملف لا يحتمل التأويل: رعاية العنف وعدم الاستقرار.