إحاطة دي ميستورا- فرصة دبلوماسية للمغرب… لكن الحذر واجب

إحاطة دي ميستورا- فرصة دبلوماسية للمغرب… لكن الحذر واجب

- ‎فيشن طن, واجهة
Capture decran 2025 04 15 204150
إكسبريس تيفي

 

 

 نجيبة جلال/

في الرابع عشر من أبريل الجاري، قدّم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، السيد ستافان دي ميستورا، إحاطة أمام مجلس الأمن، يمكن وصفها بأنها محطة دقيقة ومفصلية، محمّلة بدلالات استراتيجية ورسائل موجهة إلى الأطراف الفاعلة، ليس فقط في سياق النزاع الإقليمي، وإنما أيضًا في ميزان المواقف الدولية المتبدلة بشأن مستقبل هذا الملف.

أبرز ما حملته الإحاطة كان التأكيد مجددًا على مركزية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي جددت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لها، واصفة إياها بأنها “جادة وذات مصداقية”. ولا تقتصر أهمية هذا التصريح على مضمونه المباشر، بل تتعزز قيمته من كونه يأتي في سياق تأكيد متواصل على الموقف الأمريكي، الذي تم تثبيته منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب سنة 2020، واستمر في عهد الرئيس بايدن، ما يثبت أن الموقف الأمريكي من قضية الصحراء أصبح عنصرًا ثابتًا في السياسة الخارجية الأمريكية، وليس مجرد خيار عابر لإدارة معينة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الإحاطة جاءت في سياق التذكير بمرجعيات الحل السياسي كما تحددها قرارات مجلس الأمن الأخيرة، التي تدعو إلى حل واقعي، عملي، ودائم، قائم على التوافق. في هذا الإطار، فإن أي قراءة موضوعية لمضمون الإحاطة تبيّن أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تظل الإطار الوحيد الذي ينسجم مع هذه الشروط الموضوعية.

كما تفتح دعوة دي ميستورا إلى “توضيح أكبر” لطبيعة الصلاحيات التي ستُمنح للكيان المحلي في إطار الحكم الذاتي، المجال أمام الرباط لتعزيز رؤيتها المؤسساتية لهذا المقترح، وترسيخ صورة المغرب كفاعل وازن يتمتع بالنضج المؤسساتي والسياسي اللازم لتأمين حل ناضج ومستدام.

غير أن المتأمل في لغة الإحاطة يلحظ استعمالًا متكررًا لمفهوم “تقرير المصير”، في تمايزٍ غير خافٍ عن المقاربة الواقعية التي يُفترض أن يلتزم بها المسار السياسي الأممي. فبينما تنخرط الرباط بجدية ومسؤولية في هذا المسار، متشبثة بثوابتها السيادية، تسعى أطراف معادية، وعلى رأسها الجزائر والبوليساريو، إلى استغلال هذا المفهوم لفرض خيار انفصالي تجاوزه الواقع وتجاوزه منطق العلاقات الدولية المعاصرة.

كما أن إشارة دي ميستورا إلى “آلية موثوقة لتقرير المصير”، دون تحديد طبيعتها أو إطارها القانوني والسياسي، تفتح الباب أمام تأويلات تُغذي خطاب الانفصال، وهو ما يستدعي من الدبلوماسية المغربية مواصلة ضبط التوازن بين الانخراط الإيجابي والتصدي لمحاولات الالتفاف على المرجعيات الأممية المعتمدة.

الفقرة الإنسانية التي اختتم بها دي ميستورا إحاطته، والتي تضمنت حديثًا عن شابة “دفنت والديها وأجدادها في رمال تندوف”، وأخرى لا تريد أن يُدفن أولادها هناك، تحمل من جهة دلالة إنسانية عميقة، لكنها من جهة أخرى تستبطن رسالة سياسية تسعى إلى تحريك الملف عبر العاطفة، في وقت يتطلب فيه التعاطي مع النزاع واقعية باردة ومسؤولية تاريخية.

هنا، يُفترض أن توازي الرواية المغربية، المعززة بالمعطيات والتقارير، هذا المنحى، من خلال تسليط الضوء على أوضاع الاحتجاز في المخيمات، وحرمان ساكنتها من أبسط حقوقهم، بما فيها حرية التنقل والتعبير، وكشف مسارات التلاعب بالمساعدات الدولية وتجنيد الأطفال.

أعلن دي ميستورا أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة في بلورة خريطة طريق جديدة، في أفق أكتوبر المقبل. وهو بذلك يضع الأطراف أمام اختبار النوايا، ويدعوها، بشكل غير مباشر، إلى تجاوز منطق الانتظارية والتوظيف السياسي، باتجاه الحلول الفعلية.

إن هذا السياق يُملي على المغرب مواصلة نهج الوضوح والاتزان، مع الدفع الدبلوماسي النشيط في اتجاه التوضيح التفصيلي لمضمون مبادرة الحكم الذاتي، وتعبئة الحلفاء الدوليين نحو دعمها، ليس فقط باعتبارها حلاً سياديًا، بل لأنها تُجسد نموذجًا متقدمًا في تقاسم السلطة المحلية داخل إطار وطني موحَّد، وتستجيب لمعايير الحكم الرشيد الذي تطالب به المنتظمات الدولية.

إن إحاطة دي ميستورا لم تأتِ بجديد مفصلي، لكنها وضعت الجميع أمام منعطف جديد: إما المضي نحو حل سياسي واقعي يُراعي حقائق الجغرافيا والتاريخ، أو البقاء رهينة خطاب عاطفي، مأزوم، يسعى إلى إعادة إنتاج أوهام انفصالية لا مكان لها في المنظومة الدولية الراهنة.

المغرب، بثباته، ومصداقيته، ورؤيته المتقدمة، لا يواجه فقط جبهة انفصالية تفتقر لأي شرعية تمثيلية، بل يواجه أيضًا رواسب مقاربات أممية مترددة، آن لها أن تنخرط بوضوح في منطق العدالة السياسية، لا فقط في لغة الحياد الشكلاني. إنها لحظة الحسم في سردية النزاع، وعلى كل الفاعلين، بما فيهم صناع القرار الدوليون، أن يقرأوا الرسائل جيدًا، وأن يختاروا الموقع الصحيح على رقعة هذا الصراع التاريخي.

 

3 12 11 1

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *