إكسبريس تيفي /
✍🏻بقلم الباحثة في علم السياسة سمية مزور
تماشيا مع الخطاب السامي في الذكرى 23 لعيد العرش المجيد والذي دعى من خلاله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى تحسين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية المرأة ومراجعة نصوص مدونة الأسرة في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي مع إعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح والتشاور والحوار حول مضامين مدونة الأسرة التي أضحت مسألة ضرورية ومؤكدة لكن دون أن نحل ما حرمه الله ولا أن نحرم ما أحله الله خصوصا في المسائل التي تؤطرها النصوص القرآنية.
فبعد مرور 18 سنة من تطبيق مدونة الأسرة طفت إلى السطح مجموعة من الاقتراحات حول التعديلات المرتقبة وهي مقترحات مقدمة من قبل المنظمات الحقوقية والنسائية والمختصين في القانون والأحزاب السياسية بمختلف تياراتها والتي تعقد اليوم ندوات ولقاءات دراسية لإغناء النقاش العمومي وصياغة التعديلات.
وقد تسألني عزيزي القارئ وما الدافع وراء تبني تعديلات جديدة لمدونة الأسرة؟
سأجيبك لكن حسب علمي:
-أولا إرتفاع نسبة الطلاق ببلادنا؛
-قصور في التشريع؛
-غالبية الأحكام القضائية مرتبطة بماهو مادي ومالي؛
-الحاجة لضمانات قانونية جديدة ومقتضيات تكفل حق الطفل والمرأة بعد الطلاق؛
-عدم إلتزام كل طرف بإلتزاماته ووعوده.
ولعل مجمل هذه التعديلات تتمحور حول:
-مواضيع الإرث.
-تزويج القاصرات.
-العلاقات الرضائية.
-الولادات خارج إطار الزواج.
– الولاية على الأبناء.
-مسطرة الصلح.
-مساطر النفقة.
-مساطر الطلاق.
عزيزي القارئ وأنا أتفحص المواقع الإلكترونية لأجس نبض المجتمع المغربي في العالم الرقمي حول هذه التعديلات التي فتحت النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة، فإذا بي أجد نفسي أمام تيارين أولهما تيار معارض لمجمل هذه التعديلات معبرا عنها بتخوفه الكبير خصوصا وسط الشباب، كما أن هناك من يصفها بتعديلات تتعارض مع القيم والمبادئ والشريعة الإسلامية، والبعض منهم إعتبرها تخدم مصالح النساء وستستغلها النساء كسلاح لتحقيق الربح على حساب الطرف الثاني(النفقة-السكن-الأبناء)، وهي إنحياز إلى التيار النسوي، وبالتالي يدقون ناقوس الخطر في نقاشهم ويحذرون من تعريض مؤسسة الزواج للضرر، وكذا قد يترتب عنها عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة والعزوبية، و إعتبروها ستشكل إجحافا في حق الرجل، وستزداد الصراعات بين الزوجين، وسترتفع نسب الطلاق وستكثر الحسابات بين المقبلين على الزواج حول من ينفق على الأسرة، ولن يصبح للزواج الذي هو رباط مقدس أي معنى…وبالتالي ستتفكك الأسرة وسينتشر فساد الأخلاق في المجتمع…وسيصعب الطلاق على الرجل وسيسهل على المرأة…وسيتشرد الأبناء…وسترتفع نسبة الأطفال خارج مؤسسة الزواج…وسنتجه للحد من النسل…وستمنح امتيازات لأحد الطرفين على حساب الآخر…
أما بالنسبة للتيار الثاني فهم المؤيدون للتعديلات وأنا أضم صوتي إليهم لكن فيما يرضي شرع الله…ولن نرضى بما يخالف الشرع…فلا إجتهاد مع وجود نص قرآني ونستثني من التعديلات التي لامجال للمناقشة فيها هي “المساواة في الإرث بين الجنسين” و”العلاقات الرضائية” و”الولادات خارج إطار الزواج” مواضيع نستحيي الحديث عنها فلا مجال للنقاش فيها.
ونرى أن الأصوات المطالبة بتنزيل تعديلات لمدونة الأسرة جاءت نتيجة أو بناءا على دراسات معمقة لمدة 18 سنة من صدور المدونة في سنة 2004، كما أن هذه المبادرة قرار أتخذ من أجل حماية الأسرة المغربية من التفكك والتشرد وستجعل الزوجان مسؤولان عن إلتزاماتهما طبقا لما ينص عليه القانون…كما أن هذه التعديلات أقرتها عملية تقييم تطبيق المدونة بعد أكثر من 18 سنة من دخولها حيز التطبيق وفقا لمؤشرات أثبتت عيوب ونواقص وإشكالات عميقة…كما أن هذا التيار المؤيد يرى أن التعديلات تروم إلى تحقيق المناصفة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات إتجاه الأسرة…والمحافظة على ثوابت الأسرة المغربية وستشكل هذه التعديلات ثورة حقوقية في بلادنا…لكن هذه التعديلات يجب أن تراعي التوازن بين جميع أطراف الأسرة…وتحفظ الحقوق والواجبات لجميع الأفراد…وأن تكون بمثابة قانون لايهدم قيم المجتمع ولايدمر خصوصية الأسرة المغربية…قانونا يحد من جبروت الرجل على المرأة المغربية سواء كانت متزوجة أو مطلقة أو عازبة…ويقر الإنصاف والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات…ويعمل على جعل التعديلات أكثر دقة لاتشجع طرفا على حساب الآخر…كما تراعي وتضمن التوازن الإجتماعي…وتحمي الفئة المستضعفة من النساء والأطفال…وأن تكون نصوص المدونة صريحة وواضحة ودقيقة وغير قابلة للتأويل.
عزيزي القارئ إن من بين أهم التعديلات:
-منع زواج القاصرات وبالتالي سيحدد سن الزواج في 18 سنة.
-إجبارية إقتسام الأموال المشتركة والمكتسبة في فترة الزواج بعد الطلاق.
-للمرأة المطلقة الحاضنة الحق في الولاية على أبنائها مثلها مثل طليقها (هنا عين عقل المساواة).
-إلزامية إجراء خبرة l’ADN لإثبات نسب الطفل.
-حق الزوجة في السكن الرئيسي رغم طلاقها مع أبنائها المحضونين(لاتخرجهن من بيوتهن) لما يترتب من آثار وإنعكاسات سلبية على الأم والأطفال في حالة خروجهن من السكن.
-للمرأة الحق في الزواج مرة ثانية دون أن تسقط الحضانة وفق شروط .
-إستخلاص مستحقات النفقة للأطفال بالنسبة للموظفين من منبع الراتب الشهري مع زيادة مبلغ النفقة بزيادة الأجرة(بشكل مباشر أي أوتوماتيكي بعد تطليقه من القاضي).
-إقرار الحضانة المشتركة ونفقة مشتركة مع الطليقة ذات الدخل الشهري(موظفة-عاملة) هنا تتحقق المساواة.
-إلزامية عقد إجباري ملحق لعقد الزواج ينص على أن جميع الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال مدة الزواج تقتسم بالتساوي بينهما بعد الطلاق(هنا تتحقق المساواة).
-عقد إجباري قبل الزواج يوضح ويثبت ويخول لكل الطرفين حق حماية ماله وممتلكاته ومكتسباته قبل الزواج.
-في حالة تعدد الزوجات للمرأة الحق في طلب الطلاق وفي حق المتعة(هنا تتحقق المساواة).
-إمكانية إجراء الطلاق في مقر سفارات المغرب المتواجدة بالدول الأجنبية التي يقطن بها مهاجر مغربي.
-للمرأة الأجنبية نفس الحقوق التي تتمتع بها المرأة المغربية”وضع قانون للزواج المختلط” (هنا تتحقق المساواة).
-يجب أن تسقط الولاية على الأطفال لأحد الزوجين الذي يمتنع عن التوقيع بالموافقة للتصرف في الأمور الشخصية للأبناء…فقد يقف عقبة في علاج إبنه داخل الوطن أو خارجه ليكون الأمر متوقفا على موافقته أو كتحديد مصير مستقبله التكويني والعلمي خارج الوطن..
-يجب تعريض المرأة للمسائلة القانونية في حالة منعها ورفضها لرؤية الأب لأبنائه مع تغريمها ماديا وإذا تمادت تحرم من الحضانة مؤقتا وإذا عاودت تحرم من الحضانة بشكل كلي.
-إجبار المرأة المطلقة التي غيرت سكناها بإخبارها للمحكمة بمقر سكناها الجديد وتبليغ الزوج بعنوانها.
-نقل الأبناء من المؤسسة بناءا على موافقة الأب(الولاية المشتركة في حالة ما إذا كان ينفق عليهم ويهتم لحالهم) وتسقط الموافقة بسقوط إهتمامه بهم.
على القاضي:
-أن يخول الحقوق للمرأة المطلقة بناءا على أسباب الطلاق.
-أن يبذل قصار جهده لتحديد الأسباب قبل النطق بالحكم.
-أسباب الطلاق مدخلا للحكم القضائي المنصف.
وختاما ومن زاويتي إن الأسرة هي نواة المجتمع وهي مكون أساسي من مكوناته ولابد من تحصينها وحماتها بتشريعات تراعي التوازن بين جميع أطراف الأسرة الواحدة وإقرار التمكين والمساواة والمناصفة بين الزوجين فيجب أن نتحدث على إستكمال مشروع المدونة وليس مراجعتها كي يتقبلها المجتمع المغربي ويستعد لإحتضانها بتعديلاتها.
إن المرأة نصف المجتمع والرجل هو النصف الآخر وكلاهما اللبنة الأساسية في الأسرة فقد جعل الله عز وجل الزواج مؤسسة قائمة على المودة والرحمة وعلى الفضل بقوله تعالى( ولاتنسو الفضل بينكم)
فكما أن الزواج يتجاوز التشريعات والقوانين فهو الميثاق الغليظ مبني على تراضي وترابط شرعي يجب أن يكون الطلاق على تراضي وعن إنفصال شرعي (وإن أبغض الحلال عند الله الطلاق).
سمية مزور :باحثة في العلوم السياسة.
–حاصلة على شهادة الماستر تخصص” العمل السياسي والعدالة الدستورية“.
–خريجة كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية السويسي بجامعة محمد الخامس الرباط.