بقلم : ادريس العاشري
محاربة الفساد هي قضية الـدولة والمجتمع
من بين التحديات والمخاطر التي يواجهها العالم بالموازاة مع الازمات الاقتصادية، الصحية، والسياسية، الهجرة السرية، سنقف عند ظاهرة غسل أو تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي تزعزع الإستقرار الأمني والاقتصادي والإجتماعي للبشرية.
محاربة هذه الظاهرة الاجرامية تتطلب وضع استراتيجية ومنظومة جد متطورة تعتمد على التقنيات الرقمية الحديثة وكفاءة الأجهزة الأمنية والمتدخلين في المنظومة.
المغرب من بين دول العالم التي انخرطت في هذه المعركة الشرسة ضد مافيات ومجرمي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب خصوصا مباشرة بعد الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب يوم 16 ماي 2003 التي أجبرت الأجهزة الأمنية المغريية بكل مكوناتها إلى تطوير إستراتيجية العمل وتقنيات مواجهة الارهاب.
من أهم ركائز هذه الاستراتيجية نجد المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي عرفت تطورا مهما خصوصا ملاءمة التشريع المغربي مع المعايير الدولية، وتنزيل الإجراءات الواردة في خطة العمل الموضوعة من طرف مجموعة العمل المالي “GAFI”.
انخراط المغرب في ورش محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب جعله يحظى بثقة المستثمر المغربي والأجنبي باستقراره الأمني والاقتصادي والإجتماعي خصوصا وأن محاربة الفساد والجرائم بكل أنواعها تهم الدولة والمجتم، كما ورد في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى السابعة عشر (17) لعيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2016 الذي جاء فيه:
“فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع، الدولة بـمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربـة هـذه الـظاهـرة الخطيرة، وتـجريـم كل مظاهرها، والضرب بـقـوة على أيـدي المفسدين والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة”.
خطورة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتجلى في تغلغل هذه المافيات في الحياة السياسية وتدبير الشان المحلي، الجهوي والبرلمان مما يجعل مصير الوطن بيد الفاسدين خارج القانون.
القانون المغربي جد صريح وواضح بأن مسؤولية حماية الاقتصاد الوطني والاستقرار الأمني تهم كل المتدخلين في عملية محاربة تبييض الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب في تبليغ الجهة المختصة المتمثلة في الهيئة الوطنية للمعلومات المالية التي كانت تسمى”UTRF”. (خلية معالجة المعلومات المالية).
في هذا الصدد لابأس أن نقف عند هذه المؤسسة التي تعمل بتنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة في صمت بعيدا عن الضوضاء، وذلك لضمان الاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية للبلاد.
تعتبر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية وحدة معلومات مالية ذات طابع إداري، ملحقة برئيس الحكومة، تم إحداثها بموجب مرسوم صادر بتاريخ 24 دجنبر 2008 تحت رقم 2-08-572، تطبيقا للمادة 14 من القانون رقم 43-05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال.
استطاع المغرب بفضل يقظة ومهنية الأجهزة الأمنية والمتدخلين في البحث المالي في دعم البحث الجنائي وذلك بتجسيد وتحقيق الجهود والتنسيق بين النيابة العامة وأجهزة الإشراف وأجهزة المراقبة والأشخاص الخاضعين والهيأة الوطنية للمعلومات المالية والشرطة القضائية في إطار تكامل الأدوار وتبادل المعلومات.
بالموازاة مع يقظة الأجهزة الأمنية المغريية لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يلعب القطاع البنكي المغربي دورا رئيسيا خصوصا وأن جل المؤسسات البنكية تتوفر على مديرية الإمتثال والمراقبة الداخلية Conformité et contrôle interne وخلية لتتبع العمليات البنكية المشبوهة، مع التذكير أن بنك المغرب بفضل إحداث آلية لدعم الأبحاث المالية الموازية والحصول على المعلومات المالية حول الحسابات البنكية.
لمحاربة هذه الجرائم المتمثلة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تؤثر بشكل كبير ومباشر على الاستقرار الأمني والاقتصادي والإجتماعي للمغرب ركزت الدولة المغربية على تكوين الموارد البشرية المكلفة بمحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب خاصة على مستوى تنمية قدرات الأجهزة المكلفة بالبحث والتحقيق في موضوع التحقيقات المالية.
كل المؤشرات المتعلقة باحباط وتتبع عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تؤكد أن المغرب انخرط بشكل فعلي في تطبيق الاجراءات القانونية والإحترازية الموضوعة من طرف مجموعة العمل المالي “GAFi”، بفضل يقظة الأجهزة الامنية المغريية ومهنية الهيئة الوطنية للمعلومات المالية وخلايا البنوك المغربية المختصة في تتبع العمليات البنكية المشبوهة.