إكسبريس تيفي/
اسماعيل شفقي : باحث في الشؤون السياسية و الدستورية – كاتب رأي.
منفردا بعزمه، مؤيدا برأيه، دخل الرجل ساحة ملغومة بالشعبوية، مسيجة بعواطف وعواصف الجمهور، يدرك الرمضاني جيدا، أنه المقبل على مواجهة مديرها؛ الخصم والحكم، صاحب الأرض والجمهور، والجمهور فيها يطلب أكثر من الفرجة.. يطلب الرأس! بمحاكمة جماهيرية انتفت فيها شروط العدالة، بل حدودها الدنيا. صك الاتهام فيها جاهز، والأكثر جاهزية منه حد المقصلة الرمزية، يدرك جيدا هكذا محاكمات، فقد تمرس الرجل “في قفص الاتهام”.
فأرادوها استنطاق بوليسيا، ينتفي فيه حق الكلام، أغفل مدير الجلسة مدبرها بالأحرى، أن الرمضاني رجل كلام “بدون لغة خشب”.
جلسة تظافر فيها تحامل الخصم والحكم، وصعوبة المناخ الشعبوي، وجور الجمهور.. تعلمنا قوانين الطبيعة أن الأسد منفرد في الرعين، والضباع قطيع، وهو ما أغفله جيل الضباع.. وكبيرهم.
لقد صنعو للرجل من حيث لا يدرون، مشهد بطولة؛ انتصب فيها الرمضاني صوتا فردا للعقل في مجابهة ملحمية مع سيكولوجية هشة لجماهير هشة.
ان انتصار الرمضاني للمقاربة و المعنى الأخلاقي، مقابل تشبث بئيس ب”معيارية جافة” و”شكلية صماء” مؤشر دال و منطلق فهم عميق، لفروق وجودية بين دائرتين، تقعان على النقيض؛
من يرى في الصحافة، فعلا هجينا، ينتهي الى فعل مستهجن بالضرورة، يراها عمل بالمعنى الحصري و الضيق “لمصدر الرزق”، يؤول ببعض التهجين النضالي/التكتوكي/ اليوتوبي و هواجس التجارة، الى مدخل استرزاق؛ منفلت لا عن القواعد فقط، بل عن الأخلاق.
لعبة إعتاد محترفوها، الركوب على الامواج.. و الركوب على الشعوب.
وبين مدرسة، ترى الصحافة مهنة، و أنبل من مجرد المهنة، و هي بذلك فوق التقني تطلب الفنية، تنشد فوق التكوين الحرفة و الدربة، الحياد فيها لا ينفي الرسالة، موضوعيتها لا تنفي الايمان، فوق الشكل تسبر أغوار المعنى، وفوق هذا وذاك تنشد تلك المستعصية على الاكتساب والمسطرة والبطاقة… الموهبة والملكة والطاقة!
إنه تمثل يرقى بالصحافة الى مدارج الفاعلية و فوقها الى مراتب “السلطة الرابعة”… الى صاحبة الجلالة.
فروق جوهرية بين يرى الصحافة فاعلا للتغيير و فيه، و مدخلا للتعبئة و التنشئة، و بين من يريدها أداة تجييش و حشد لحاجة في نفس يعقوب.
من يراها لعبة “جوج وجوه” أجل تلك الدراما على القناة الثانية، حيث التسول باسم الفقر، و هي في سياقنا التسول السياسي باسم الصحافة. و بين شجاعة الوجه المكشوف، و الأهم منه الواجه الواحد بملامح خطاب منسجمة، أنيقة… و واضحة.
بين فعل صحفي خالص، يستجمع أطراف المغرب كاملا، من أبسط مستوياته حيث أنابيب صرف المياه، حتى اعتى مستوياته تعقيدا؛ حيث دواليب تصريف الأمور، تمرس إعلامي على كل اللغات و الايقاعات، في سمفونية إعلامية منسجمة، غير إقصائية، و دون عقد نقص. و بين الإقتيات على انتقائية مقيتة،لأصوات موقوتة، تؤول بالمنبر الى منتدى للمعارضة السياسية، لا تخفى أهدافها..
خيط رفيع بين مناقشة السياسة بالمنبر الاعلامي، و حتى تبني الاعلامي للموقف السياسي، و بين المعارضة السياسية المؤدلجة ذات يسار بالظلال و ذات يمين بالظلام، باسم الصحافة.
على ذاك المباشر الرمضاني، كان الصراع مشتد الوطيس، بين ثقافة التأسيس و شطحات التكبيس..
تغافل “جيل الضباع” أن ليس من الشجاعة في شيء مسايرة الجمهور في خطابات الرفض و الكراهية، و نبرة الاحتجاج.. بل تظل لعبة “الركوب على الجمهور” المأثورة لدى أصحاب المواقف المترددة، و الأيادي المرتعدة، يصير الجمهور مركبة هروب الى الأمام، دروع بشرية، “أخوتي المغاربة!” استنجاد “مبرهش”، بتعبير صبياني، و الأكثر صبيانية منه جوهر الموقف و طبيعة التمثلات..
تقاس قوة الموقف و سلامة الموقع، تقاس الشجاعة الإعلامية المهنية، بانتصاب صوت الفرد في مقابل الكتلة، صوت الحداثة المغربية في أكثر الموضوعات و السياقات محافظة، صوت العقل في مقابل العاطفة الجماعية و الانفعال الجماهيري.
رضوان الرمضاني، أنݣلوسكسوني المدرسة، جوهري الهوى، بكل احالات تغليب المعنى على الشكل، المضمون على المنهج، الاستراتيجي على التكتيكي.. ردا على ادعاء البطاقة المهنية، كان جوابه مساءلة “الطاقة المهنية” و “الأخلاق المهنية” و البروفيل المهني الخالص” غير المسيس، غير المؤدلج، غير المهجن. و حتى حين الجلد و محاولة الاغتيال الرمزي على المباشر باسم البطاقة، تشبث الرمضاني بالمعنى/بالجوهر، و عند أمس الحاجة للدفاع الشرعي عن النفس، دافع الرجل عن الحداثة، عن الأخلاقيات المهنية، عن الأستاذ أحمد عصيد، انتصب ضد التكفير و ضد التخوين !
انتصب الرجل.. و انتصر !