باحدة عبد الرزاق
بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بمغربية الصحراء، يتضح أن المملكة المتحدة تسير بخطى ثابتة هي الأخرى نحو الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. ويبدو أن لندن تسعى للتخلي عن موقفها السابق الغامض لتؤكد دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب. هذا التحول يأتي في سياق توجه دولي متزايد لدعم المغرب في هذا الملف الحساس، والذي يعد قضية وطنية جوهرية للمغاربة.
اللقاء الأخير الذي جمع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بنظيره البريطاني الجديد، ديفيد لامي، يندرج ضمن سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الرباط لإقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية المغربية. ومع تزايد الدعم من البرلمانيين البريطانيين واللوردات، يتضح أن بريطانيا بدأت ترى في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأنسب والوحيد لهذا النزاع المفتعل.
لقد وجه ثلاثون من البرلمانيين البريطانيين، ينتمون إلى حزبي العمال والمحافظين، رسالة إلى وزير الخارجية البريطاني، يطالبون فيها الحكومة البريطانية بدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية بشكل رسمي وسريع. هذا الدعم يعكس تحولا ملموسا في الرأي العام والسياسي البريطاني، إذ بات ينظر إلى المغرب كشريك استراتيجي في منطقة شمال إفريقيا. المبادرة المغربية للحكم الذاتي ليست مجرد حل سياسي واقعي، بل هي تعبير عن رؤية تقدمية لاحترام التقاليد المحلية والتطلعات الديمقراطية للشعب الصحراوي، وهو ما دفع بأكثر من 80 دولة حول العالم لدعم هذا المخطط.
من الناحية الاقتصادية، تعد المملكة المتحدة واحدة من أبرز الشركاء الاستراتيجيين للمغرب. فبريطانيا ليست مجرد حليف سياسي، بل هي مستثمر اقتصادي قوي في المملكة. وكمثال على ذلك، أعلنت شركة “أوبلين” البريطانية عن استثمار ضخم في الأقاليم الجنوبية بقيمة 100 مليار دولار، لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة الداخلة. هذا المشروع الطموح يعكس ثقة المستثمرين البريطانيين في استقرار وجاذبية الاقتصاد المغربي، ويوفر حوالي 5000 فرصة عمل للمغاربة، مما يعزز التنمية في الأقاليم الجنوبية ويدعم رؤية المغرب لتحويل المنطقة إلى مركز اقتصادي مستدام.
الدعم الدولي المتزايد للموقف المغربي يظهر بوضوح في التحركات الدبلوماسية الأخيرة، حيث استطاع المغرب بفضل دبلوماسيته الفعالة أن يكسب تأييد العديد من الدول العظمى، ومنها الولايات المتحدة وفرنسا، والعديد من الدول الأروبية اخرها دولة فنلندا التي اعترفت بالأمس بمغربية الصحراء، هذا الدعم يعزز موقف المغرب ويشجع دولا أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة، على اتخاذ خطوات مماثلة.
القضية الصحراوية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي مسألة وطنية تمس كيان المملكة المغربية وسيادتها. والمغرب، بقيادته الحكيمة ورؤيته الاستراتيجية، يسعى بكل جدية إلى وضع حد لهذا النزاع المفتعل من خلال مبادراته الدبلوماسية والتنموية في الأقاليم الجنوبية. إن الجهود التي تبذلها الرباط لم تقتصر على الدفاع عن الوحدة الترابية فحسب، بل امتدت إلى خلق نموذج تنموي شامل يهدف إلى تحسين مستوى العيش في الصحراء المغربية وتوفير فرص العمل والتنمية للسكان المحليين.
وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، يبدو أن الاعتراف البريطاني بمغربية الصحراء أصبح أقرب من أي وقت مضى. فالمملكة المتحدة، وهي ترى أهمية المغرب كحليف استراتيجي في المنطقة، تدرك أن دعم سيادة المغرب على صحرائه يعزز الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي. هذا الموقف ينبع من وعي الفاعل السياسي البريطاني بالدور البارز الذي تلعبه المملكة المغربية في الحفاظ على الأمن والسلام في شمال وغرب إفريقيا، فضلا عن الفرص الاقتصادية الكبيرة التي توفرها الشراكة مع المغرب.
وفي ظل التطورات القانونية والدبلوماسية التي شهدناها مؤخرا، يبدو أن افتتاح قنصلية بريطانية في الأقاليم الجنوبية ليس بالأمر البعيد. الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تواصل العمل بجدية وهدوء لاستثمار هذه الفرصة التاريخية لتحقيق المزيد من المكاسب الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، بما يعزز من مكانة المغرب على الساحة الدولية.