يبدو أن حميد المهداوي يسعى في ظهوره الأخير على اليوتيوب إلى تقديم نفسه كمحور للقرارات في المغرب، منغمسًا في تصوير دوره كفاعل مؤثر في جميع القضايا، بما في ذلك قضية فؤاد عبد المومني. فهو يتساءل علنًا عن أسباب الاحتفاظ به في الحراسة النظرية، ويجيب من زاوية محدودة بأن الدولة تنتهج “منطقًا مرحليًا” يُفسح المجال لـ”تجاوزات” في الاعتقالات، متبنياً نبرة توحي بتهديد القضاء عبر تصويره كأداة خاضعة للسلطة.
ورغم توجيهه النقد للحكومة وتجاوزاتها، إلا أن المهداوي لا يفوت الفرصة للإشارة إلى الملك ومحيطه، متبنيًا فكرة أن الملك “ذكي” بما يكفي لترك التجاوزات تلتصق بالحكومة، ليبدو بعيدًا عنها أمام الشعب، في تصوير يُضفي طابعًا شيطانيًا على المشهد السياسي. يضاف إلى ذلك ادعاؤه أن عهد الحسن الثاني كان أفضل في مجال الحريات مقارنة بعهد محمد السادس، وهو تناقض صارخ في خطابه.
ولم يتوقف المهداوي عند هذه النقطة؛ فقد عاد لطرح قضية المليار سنتيم الذي طلبه دفاع عبد اللطيف وهبي في المحكمة، متسائلًا بنبرة توبيخية عن عدم دعم الفيسبوك له. كما يتناول قضية عبد المومني، مُشيرًا إلى أن اعتقاله لن يكون إلا تكرارًا لسياسات يتهمها بأنها تعمل “بهوى السلطة”، في محاولة لإثارة الشكوك حول نزاهة المؤسسات.
الملفت في شخصية المهداوي هو تضخيمه لذاته وإعطاؤه لنفسه أدوارًا رمزية؛ حيث يرى نفسه مرجعًا للحكمة والقرارات الاستراتيجية في البلاد. ويفتخر بكونه من أوائل من طالبوا بعدم القطيعة مع فرنسا، متخيلًا أن انتصارات المغرب الدبلوماسية جاءت بفضل “نصائحه” لمتابعيه! يعكس هذا الأسلوب تبنيًا لمنطق “أنا وحدي مضوي لبلاد”، في حين يتجاهل دور المؤسسات ورجالاتها.
وفي حديثه عن عبد المومني، يمزج المهداوي المسألة بالثورة الفرنسية ووجود الرئيس ماكرون في المغرب، مشيرًا إلى مبادئ حقوق الإنسان كقضية مركزية، في خطوة قد تنم عن محاولة لزرع الفتنة وخلق الشكوك في استقرار البلاد. ويتضح من خلال هذا الخطاب أن الدافع لا يتجاوز صناعة أدوار البطولة لنفسه، بقدر ما يسعى إلى إشاعة جو من الريبة بين الشعب ومؤسساته.
ولا يقف خطابه عند هذا الحد؛ بل يصل به الأمر إلى تحريض الشعب على الصحافة، متهمًا إياها بالتواطؤ ضده وعدم مواكبة قضاياه، مستغلًا نبرة المظلومية لتحفيز متابعيه ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية التي ترفض الانصياع لروايته. يسعى بهذا الخطاب إلى تأجيج الكراهية ضد الإعلام الموضوعي، ويبعث برسالة ضمنية للصحفيين الذين لا يسيرون على خطاه، بأنهم قد يكونون عرضة للهجوم الشعبي.
بهذا النهج، يظهر المهداوي أسيرًا لرغبته في صنع “بطولة” غير موجودة، محاولًا توجيه الغضب الشعبي بعيدًا عن أي نقاش موضوعي، وخلق أدوار درامية تتماشى مع رؤيته، بينما يحاول في الوقت ذاته ترسيخ نظرة عدائية تجاه الصحافة، مستندًا إلى خطاب يستغل قضايا المجتمع كمسرح لأوهام شخصية.