عند قراءة مقال أحمد الشرعي حول قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتضح مجموعة من الأفكار التي تستحق التأمل، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الطرح العام. ولكن ما يثير الاهتمام هنا هو تساؤل: ماذا لو أزلنا اسم إسرائيل من المقال واستبدلناه بأي دولة أخرى؟ هل سيتغير موقفنا من الأفكار التي عرضها الشرعي؟ وهل يمكننا النظر إليها بموضوعية أكبر؟
يطرح الشرعي قضية تدخل المحكمة الجنائية الدولية في شؤون الدول ذات الأنظمة القضائية المستقلة، معتبراً أن هذا يشكل تجاوزاً لاختصاصاتها الأصلية. المحكمة، وفق هذا المنظور، أنشئت للتعامل مع الحالات التي تعجز فيها الأنظمة الوطنية عن تحقيق العدالة، لا للتدخل في قضايا دول ديمقراطية تتمتع بهياكل قضائية قائمة وفعالة. إذا طبقنا هذا الطرح على دول أخرى مثل فرنسا أو الولايات المتحدة، فقد نجد أنفسنا نتفق مع هذا التحليل، لأن المساس باستقلالية القضاء يمثل تهديداً مباشراً لسيادة أي دولة.
يشدد الشرعي أيضاً على أهمية احترام القضاء الوطني، مهما كانت الانتقادات الموجهة له، مؤكداً أنه يظل جزءاً من سيادة الدولة وقدرتها على إدارة شؤونها. هذا المبدأ يبدو صالحاً للتطبيق في أي سياق دولي، إذ أن تجاوز القضاء الوطني لصالح جهة دولية قد يفتح الباب لممارسات تهدد الديمقراطية وسيادة القانون. فهل نعارض هذا الرأي إذا لم تكن إسرائيل المعنية؟ من الصعب إنكار أن الاستنتاج ذاته قد ينطبق على حالات مشابهة.
إلى جانب ذلك، ينتقد المقال التحيز الذي تظهره المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً تركيزها الكبير على دول أفريقية، مما أثار شكوكا حول نزاهتها. هذا النقد يتجاوز البعد السياسي ليصل إلى مسألة المصداقية الدولية للمحكمة، التي ينبغي أن تُعامل جميع الدول بمعايير موحدة. في هذا السياق، فإن مناقشة المحكمة من زاوية ممارساتها العامة وليس من خلال موقفها تجاه دولة بعينها قد يجعلنا أكثر تقبلاً لتحليل الشرعي.
إحدى النقاط التي أثارت الاهتمام أيضاً هي أن مقال أحمد الشرعي يتقاطع مع ما كتبنا عنه كثيرا و هو مسألة تدخل المنظمات الدولية في الشؤون القانونية والاقتصادية للدول، باستخدام ملفات حقوق الإنسان كذريعة. هذا الأمر، كما سبق وناقشنا في مناسبات سابقة، قد يتحول إلى وسيلة ضغط سياسي، بعيداً عن تحقيق العدالة المنشودة. وهنا، يمكن أن نرى تقاطعاً بين ما طرحه الشرعي وما نؤمن به من ضرورة احترام سيادة الدول، بغض النظر عن طبيعة النظام المستهدف أو موقعه الجغرافي.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن الاختلاف مع رأي أحمد الشرعي يعكس صحة الحوار الديمقراطي. فالتنوع في الآراء هو ما يغني النقاش ويوسع آفاق الفهم. حرية التعبير الحقيقية تكمن في القدرة على مناقشة الأفكار دون الحكم المسبق على قائلها. إن تقييم الأفكار بناءً على مضمونها، بعيداً عن الشخصنة أو المواقف المسبقة، هو أساس الحوار العقلاني الذي يدعم التقدم الفكري والسياسي.