الدعم العمومي للصحافة المغربية بات عنوانا لصراع مفتوح حول مستقبل الإعلام الوطني، حيث تتقاطع المصالح وتتعالى الأصوات بين الفاعلين في القطاع، القرار المشترك الصادر عن وزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، والذي حدد شروطا تعجيزية للاستفادة من الدعم العمومي، أثار موجة غضب واسعة، خاصة بين المقاولات الصحفية الصغرى التي ترى فيه محاولة لإقصائها من المشهد الإعلامي لصالح المقاولات الكبرى.
اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، وفي بيان شديد اللهجة، عبر عن رفضه التام للشروط الجديدة، واصفا إياها بأنها تكرس الهيمنة الإعلامية وتفتح الباب أمام إعدام المؤسسات الصغيرة التي تعاني أصلا من أزمات هيكلية ومالية خانقة، هذه الشروط، التي تتطلب رقم معاملات لا يقل عن مليوني درهم وكلفة إنتاج مرتفعة، تبدو خارج نطاق إمكانيات المقاولات الصغرى، مما يعكس -وفق البيان- توجها حكوميا يخدم فئة محدودة من المقاولات ذات النفوذ والمصالح المرتبطة بالسلطة.
في المقابل، جاءت ردود فعل الصحافيين لتعكس عمق الأزمة، الصحافي مصطفى الفن أبدى استغرابه من هذا التوجه، معتبرا أن فلسفة الدعم، في جوهرها، تستهدف الفاعلين الصغار والمقاولات التي تكافح للبقاء، وليس المؤسسات الكبرى التي تعتمد على دعم الدولة والإشهار العمومي. ووصف الواقع الحالي بأنه “ظلم كبير” قد يؤدي إلى اختفاء المقاولات الصغرى، محذرا من مغرب بلا صحافة حرة ومستقلة.
رشيد لمسلم، من جهته، ذهب أبعد من ذلك في نقده للآلية الحالية للدعم، واصفا إياها بأنها “علف للمعلوف”، في إشارة إلى أن الحكومة تستمر في تمويل الكبار دون الاكتراث بمصير المؤسسات الصغرى، وأشار إلى أن الصحافة الورقية تعيش أصعب مراحلها في ظل تراجع القراء وضعف الأرقام، ومع ذلك، فإن الدعم العمومي يتجه نحو تعزيز هيمنة كبار الفاعلين، بدل إنقاذ ما تبقى من الصحافة المستقلة.
وسط هذا الجدل، تتعالى تساؤلات حول جدوى الدعم العمومي في ظل غياب آليات شفافة وعادلة تضمن تكافؤ الفرص، فمن غير المعقول أن تظل الصحافة المغربية رهينة مقاولات كبرى تستفيد من الإعلانات العمومية وصفقات الإشهار والدعم المالي، بينما تترك المقاولات الصغرى، التي تمثل جزءا مهما من تنوع المشهد الإعلامي، على هامش اللعبة.
الدعوات تتزايد لإعادة النظر في معايير توزيع الدعم، وفتح المجال أمام الجميع، خاصة المقاولات الصغرى التي تحتاج إلى تعزيز قدراتها لضمان استمراريتها، فالرهان اليوم ليس فقط على دعم المؤسسات الإعلامية، بل على ضمان حرية الصحافة واستقلاليتها، بعيدا عن هيمنة المال والنفوذ، الصحافة المغربية تقف على مفترق الطرق، والإصلاح العادل والشامل بات ضرورة ملحة لتفادي سيناريو قاتم قد ينتهي بإعدام التنوع الإعلامي في المغرب.