يشهد العالم اليوم صعوداً ملحوظاً للتيارات اليمينية المتطرفة، حيث تتزايد قوتها في العديد من البلدان، بدءاً من أمريكا مع فوز ترامب، إلى فرنسا حيث يعكف اليمين المتطرف على تحقيق حلم السيطرة على رئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية. هذا التحول يعكس تحولاً عميقاً في السياسة العالمية نحو القضايا الداخلية للدول، مع تصاعد الاهتمام بالهوية الوطنية والعدالة الاجتماعية. في هذا السياق، تجد الأحزاب المغربية نفسها أمام تحديات كبيرة لتواكب هذه التحولات، وتظل قادرة على التأثير في المشهد السياسي المحلي الذي يتسم بتطورات متسارعة.
في المغرب، المشهد السياسي معقد، تتداخل فيه القوى اليسارية، الليبرالية، والإسلامية، ويمثل كل منها قوة مستقلة لكن مؤثرة. لكن هناك حزبان رئيسيان يبدوان أكثر قدرة على تغيير موازين القوى في المرحلة القادمة: حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية. حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يعكس طموحات نخبة سياسية تسعى لتغيير بنية النظام السياسي المغربي، يبدو اليوم الأكثر استعداداً لاستغلال التحولات التي يشهدها العالم. بفضل غياب كوابح إيديولوجية تحد من تحركاته، يمكن لحزب الأصالة والمعاصرة أن يقدم خطاباً مرناً ينفتح على القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطنين بشكل مباشر. في عالم يتزايد فيه الحديث عن العدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى المعيشة، قد يجد الحزب نفسه في وضع يسمح له باستقطاب فئات واسعة من المواطنين الباحثين عن التغيير والمستقبل الأفضل.
ومع ذلك، يجب على الحزب أن يوازن تحركاته القادمة بعناية. فهو جزء من الحكومة الحالية، ويتحالف مع أحزاب ليبرالية، وهو ما يحد من قدرته على الانفراد بمواقف قد تتعارض مع حلفائه في الحكومة. إذا أراد الحزب أن يعزز من مكانته في الساحة السياسية، عليه أن يعبر عن خطاب يتسم بالتوازن بين تطلعات المواطنين للتغيير، وبين المسؤوليات التي تفرضها مشاركته في الحكومة. فكل خطوة غير محسوبة قد تؤثر سلباً على صورته لدى الناخبين، كما أنها قد تضعه في مواجهة مع حلفائه أو مع قوى المعارضة التي يمكن أن تستغل أي انقسام في الحكومة.
أما حزب العدالة والتنمية، الذي ظل لسنوات طويلة يمثل الصوت المعتدل للإسلاميين في المغرب، فيواجه اليوم تحدياً كبيراً في مواكبة التوجهات العالمية المتسارعة نحو اليمين المتطرف. فبينما اعتاد الحزب على تمسكه بقيم إسلامية وتقليدية، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة النظر في خطابه السياسي، خاصة في ظل صعود الشعبوية والتيارات اليمينية في مختلف أنحاء العالم. قد يكون الحل الأمثل لحزب العدالة والتنمية هو أن يعيد تموضعه في أقصى اليمين، مع التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطن بشكل مباشر. لكن ذلك يتطلب تحديثاً جذرياً في خطاب الحزب، والابتعاد عن القومية والشعارات التي قد تكون قديمة وغير ملائمة للمرحلة الجديدة. فالحزب مطالب بأن يطور خطاباً يتسم بالواقعية والمرونة، بحيث يستطيع التفاعل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المغرب. في الوقت نفسه، يجب على الحزب أن يكون حذراً من الانزلاق نحو الشعبوية المفرطة التي قد تضعه في مواجهة مع القوى الليبرالية واليسارية في البلاد، وتؤثر على علاقاته مع حلفائه في الحكومة.
في الجهة المقابلة، تواجه الأحزاب اليسارية مثل الاتحاد الاشتراكي تحديات كبيرة في مواكبة التغيرات العالمية. فرغم تاريخها الطويل في المشهد السياسي المغربي، إلا أنها تجد نفسها اليوم في أزمة خطاب، حيث باتت تفتقر إلى رؤية متجددة تلبي تطلعات الشباب والمجتمع المغربي بشكل عام. هذه الأحزاب مطالبة بتطوير خطابات تواكب التحولات السياسية والاجتماعية، وأن تبتعد عن الأفكار القديمة التي قد تكون قد فقدت صلتها بالواقع. أما الأحزاب الليبرالية، مثل حزب التجمع الوطني للأحرار، فإنها أيضاً تواجه تحديات جسيمة. فهي ملزمة بتقديم حلول اقتصادية واجتماعية مبتكرة تواكب التغيرات التي تطرأ على الساحة العالمية. في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، بات من الضروري أن تعمل هذه الأحزاب على تحسين مستوى معيشة المواطنين وتقديم حلول للتحديات الاجتماعية التي تواجههم، خاصة في مجالات التعليم والصحة والشغل.
إن المستقبل السياسي في المغرب يتطلب من الأحزاب السياسية الكبرى أن تكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم. من خلال تحليلات معمقة للأوضاع الحالية، يمكن القول إن الفرصة سانحة لحزبين رئيسيين، هما حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية، لتغيير موازين القوى في الساحة السياسية المغربية. لكن ذلك يتطلب منهم تحديث خطابهم السياسي والتفاعل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية بما يتماشى مع تطلعات المواطنين، وذلك في وقت تشهد فيه الساحة السياسية تحديات داخلية وخارجية كبيرة.