في يوم واحد، أصدر جلالة الملك محمد السادس قرارين بارزين يجسدان التفاعل السريع للمؤسسة الملكية مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤرق المواطنين.
القرار الأول، والمتعلق بإلغاء شعيرة عيد الأضحى لهذا العام جاء استجابة مباشرة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر المغربية، بينما القرار الثاني أكد التزام الدولة بحماية التنافسية العادلة في الأسواق، من خلال دعم التجار الصغار وضمان استقرار أسعار الأسماك في مراكش.
يشكل قرار إلغاء شعيرة عيد الأضحى هذه السنة سابقة في ظل الأوضاع الحالية، حيث يعكس مقاربة ملكية حكيمة تأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاقتصادية للجفاف وغلاء المعيشة، في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، أصبح توفير الأضحية عبئا ثقيلا على العديد من الأسر، خاصة الفئات الهشة، لذلك جاء القرار الملكي ليضع مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار، منسجما مع نهج اجتماعي متبصر يراعي الأولويات الاقتصادية والواقع المعيشي.
جدير بالذكر أن المغرب سبق له أن اتخذ قرارا مماثلا في ثلاث مناسبات سابقة سنة 1963 بعد حرب الرمال مع الجزائر، حيث كانت البلاد تعيش أزمة اقتصادية، وسنة 1981 بسبب الجفاف ونقص الموارد المالية، مما دفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة، وفي سنة 1996 نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وتأثيره على القدرة الشرائية للمواطنين.
هذا القرار رغم رمزيته الدينية، يعكس نظرة متزنة تضع الاستقرار الاجتماعي على رأس الأولويات، إذ أن الاحتفال بالعيد لا ينبغي أن يتحول إلى مصدر ضغط إضافي على الأسر المغربية.
في خطوة أخرى تعزز القرب الملكي من قضايا المواطنين، استقبل فريد شوراق، والي جهة مراكش آسفي، بتوجيهات من الملك، الشاب عبد الإله المعروف بـ”مول الحوت”، الذي أصبح رمزا لمطالب البسطاء في توفير الأسماك بأسعار مناسبة، هذه الخطوة لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل جاءت كرسالة واضحة تؤكد أن الحق في التجارة المشروعة مكفول، وأن السلطات لن تسمح بأي تلاعب قد يضر بمصلحة المستهلكين.
تدخل الملك في هذا الملف يعكس حرصه على حماية التنافسية العادلة ومنع الاحتكار، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتأثيرها المباشر على المواطنين.
لا يمكن قراءة هذه القرارات بمعزل عن التوجه العام للسياسة الملكية، التي أثبتت على مر السنين أنها تقوم على الإنصات للمطالب الشعبية والتفاعل مع المستجدات الاجتماعية والاقتصادية، فبينما يعزز القرار الأول مبدأ العدالة الاقتصادية، يأتي القرار الثاني ليؤكد المسؤولية الاجتماعية للملك، الذي يوازن بين القيم الدينية والضرورات الاقتصادية، في رؤية ملكية تهدف إلى ضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب.
وبذلك يبرهن الملك محمد السادس مرة أخرى على أنه قائد قريب من نبض الشارع المغربي، قادر على اتخاذ قرارات جريئة حين تقتضي الضرورة، واضعا مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار.