أوسار أحمد
دفعني اطلاعي على الملف الجميل الذي أعدته الصحفية شامة درشول في جريدة الصحيفة، إلى التعمق أكثر في قضية الصراع المغربي الجزائري في إفريقيا. الملف سلط الضوء على نقطة جوهرية: الجهود الكبيرة التي تقوم بها الجزائر لمواجهة نفوذ المغرب في القارة.
فمنذ سنوات، تبنّى المغرب استراتيجية إفريقية تقوم على مزيج من الدبلوماسية الاقتصادية، الروابط الدينية، والمشاريع التنموية. الملك محمد السادس قاد هذه السياسة بنفسه عبر زيارات متكررة، واتفاقيات اقتصادية، وبرامج تنموية تستهدف الشعوب الإفريقية بشكل مباشر. النتيجة كانت واضحة: المغرب أصبح فاعلًا أساسيًا في القارة، ما أثار قلق الجزائر، التي ظلت تراهن على خطاب سياسي لم يعد يجد صدى في إفريقيا ما بعد الاستعمار.
في المقابل، وجدت الجزائر نفسها خارج اللعبة. رغم ماضيها في دعم حركات التحرر الإفريقية، إلا أنها لم تستثمر في خلق علاقات اقتصادية أو دينية قوية مع القارة. ومع تراجع نفوذها، بدأت تلجأ إلى أساليب أخرى لمحاولة تقويض الصعود المغربي. أزمة الكركرات في 2020 كانت نموذجًا لهذا التوجه، حيث دعمت جبهة البوليساريو في عرقلة حركة التجارة بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء.
لكن المواجهة لم تبقَ في السياسة فقط، بل امتدت إلى مجالات أخرى. الإعلام الجزائري كثّف حملاته ضد المغرب، محاولًا التشكيك في نجاحاته. حتى التراث والثقافة المغربية لم يسلما من هذا الصراع، حيث شهدنا محاولات جزائرية لنسب عناصر من الهوية المغربية، مثل الزليج، القفطان، والكسكس، إلى الجزائر.
الرهان اليوم ليس على الشعارات، بل على المشاريع الميدانية. المغرب استثمر في البنية التحتية الإفريقية، وقع اتفاقيات استراتيجية، ومدّ يده للتعاون، بينما لا تزال الجزائر تبحث عن طريقة لاستعادة نفوذها المفقود. فهل ستراجع حساباتها وتبني قوة ناعمة خاصة بها، أم ستواصل سياسة العرقلة والتشويش؟