بقلم: نجيبة جلال
ليس غريبًا أن يهتز الشارع المغربي تضامنًا مع فلسطين. فالدعم الشعبي المغربي للقضية الفلسطينية ليس وليد اليوم، بل هو امتداد تاريخي لوجدان جماعي ظل وفيًا لهذا الملف منذ نكبة 1948. لكن الغريب والمقلق هو أن يتحول هذا التضامن الشريف إلى ذريعة لشن حملة سياسية ممنهجة ضد مؤسسات الدولة ورموزها، في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظات التواطؤ بين أقصى اليسار الراديكالي والتيارات الإسلاموية.
لقد بات واضحًا أن هناك ائتلافًا إيلامو-يسراويًا جديدًا، وظيفته لم تعد الدفاع عن القضية الفلسطينية، بل تحويلها إلى منصة لتأليب الرأي العام ضد الدولة، وجرّ الشباب إلى ساحة فوضى لغوية وسياسية، قوامها الإساءة إلى رموز السيادة، وعلى رأسهم المؤسسة الملكية، مع استهداف خاص للمستشار الملكي أندري أزولاي، الذي تحوّل بقدرة قادر إلى “هدف” مركزي، لا لشيء سوى لأنه يمثل أحد تجليات الانفتاح المغربي والتعدد الثقافي والديني الذي يحاول هؤلاء تقويضه.
لقد تم تسخير ميليشيات رقمية لهذا الغرض. صفحات موجهة، حسابات مزيفة، ويوتوبرز معروفون باحترافهم في تسفيه النقاش العام، تم تعبئتهم بعناية لإعطاء صدى واسع لهذه الخرجات المسيئة، مع تكتيك يقوم على التكرار والانتشار السريع لتصل الرسالة إلى أكبر قدر ممكن من المغاربة. وكأننا أمام عملية منظمة، تشتغل بخيط ناظم دقيق، تربط بين الهاشتاغات، والبث المباشر، و”الفيديوهات الانفعالية” التي تهين ولا تناقش، تشتم ولا تُقنع.
لسنا هنا أمام مجرد انفعال شعبي أو غيرة زائدة على فلسطين، بل أمام مشروع متكامل للهجوم على اختيارات الدولة السيادية، وعلى رأسها استئناف العلاقات مع إسرائيل، في تجاهل تام لسياق هذا القرار، ولموقع المغرب الجيوسياسي، ولدور الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في حماية الهوية العربية والإسلامية للمدينة المقدسة.
إن المعركة لم تعد حول غزة فقط، بل حول الوعي المغربي، واستقراره، ووحدته الوطنية. فالقضية الفلسطينية تستحق الدعم، لكن ما لا يستحقه المغرب هو أن تصبح هذه القضية مطية لمن يريدون جرّ البلاد إلى مستنقع الشعبوية والفوضى.
الأيام والشهور المقبلة ستكشف مزيدًا من الحقائق. لكن ما يظهر الآن يكفي لإثارة القلق. هناك مشروع خفي، بأدوات رقمية، وواجهات إعلامية، وأجندات سياسية، يسعى لتفكيك الإجماع الوطني تحت غطاء القضايا الإنسانية. وواجبنا اليوم، كإعلاميين ومثقفين ووطنيين، أن نُميّز بين الحق في التعبير، وبين الانخراط في حملات ممنهجة لتدمير الثقة بين المغاربة ومؤسساتهم.