باحدة عبد الرزاق
في الذكرى الخامسة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين، نرى أنفسنا أمام قائد حكيم ذي رؤية ثاقبة، منذ بداية عهده، بذل جلالته جهودًا جبارة لتعزيز مكانة المغرب في القارة الإفريقية، وقد أثمرت هذه الجهود عن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 بعد غياب دام 32 عامًا.
منذ توليه العرش، قام جلالة الملك بزيارات مكثفة إلى الدول الإفريقية، حيث أشرف على توقيع آلاف الاتفاقيات التي طالت مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هذه الزيارات كانت جزءًا من استراتيجية شاملة تستهدف تعزيز العلاقات الثنائية وتحقيق شراكات مربحة للطرفين.
تجلت رؤية جلالته في تحويل الدبلوماسية المغربية من التركيز السياسي البحت إلى التركيز على التعاون الاقتصادي، فكان الهدف هو بناء علاقات قوية مع الدول الإفريقية عبر مشروعات تنموية كبرى، متجاوزين بذلك أي خلافات سياسية، خاصة تلك المتعلقة بقضية الصحراء المغربية، المملكة قدمت نموذجًا جديدًا للتعاون جنوب-جنوب، معتمدة على خبراتها في مجالات البنية التحتية والمالية والصحة والتعليم والزراعة والأمن الغذائي.
وقد كانت الشركات المغربية العمومية والخاصة، مثل الخطوط الجوية الملكية، والتجاري وفا بنك، واتصالات المغرب، والمكتب الوطني للفوسفاط وغيرها ..، ركيزة أساسية في تنفيذ هذه الرؤية، تمكنت هذه الشركات من إثبات قدرتها على المنافسة في الأسواق الإفريقية، محدثةً طفرة اقتصادية في العديد من الدول، وكمثال على ذلك، يمكن الإشارة إلى مشروع إنشاء مصنع للأسمدة في إثيوبيا باستثمار يقدر بـ 3.5 مليار دولار، والذي كان بمثابة حجر الزاوية لتعزيز الأمن الغذائي في القارة.
لم تتوقف المبادرات الملكية عند المجال الاقتصادي فقط، بل شملت أيضًا الجوانب الثقافية والاجتماعية. فقد تم إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة لتعزيز الروابط الدينية والروحية بين المغرب والدول الإفريقية، كما تم إطلاق مبادرات صحية كبرى، من بينها إنشاء مستشفيات ومراكز صحية في عدة دول إفريقية، وتقديم مساعدات طبية خلال جائحة كوفيد-19.
وبالإضافة إلى ذلك، اتخذ الملك محمد السادس خطوات جريئة في مجال الهجرة، من خلال تسوية أوضاع آلاف المهاجرين الأفارقة في المغرب، مما أكسب المملكة سمعة طيبة كوجهة إنسانية وحضارية.
وبعد سنوات من الجهود المتواصلة، نجح المغرب في استعادة مقعده في الاتحاد الإفريقي عام 2017، مؤكداً بذلك مكانته كفاعل أساسي في القارة، هذه العودة كانت تتويجًا لرؤية ملكية بعيدة المدى، تهدف إلى تحقيق الاستقرار والازدهار للقارة الإفريقية بأسرها.
يظهر بجلاء أن الرؤية الملكية تجاه القارة الإفريقية قد تجاوزت الأهداف الاقتصادية والسياسية الضيقة، لتشمل بناء شراكات استراتيجية مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، هذا النهج جعل من المغرب شريكًا موثوقًا به في القارة، وأسهم في تحقيق تقدم ملحوظ في مجالات عدة، مما يعزز مكانته كقوة إقليمية رائدة.