استراتيجية المغرب لتحلية مياه البحر: رؤية ملكية لمواجهة تحديات ندرة المياه وتعزيز التنمية المستدامة

استراتيجية المغرب لتحلية مياه البحر: رؤية ملكية لمواجهة تحديات ندرة المياه وتعزيز التنمية المستدامة

- ‎فيسياسة, واجهة
majeste le roi
إكسبريس تيفي

باحدة عبد الرزاق 

يعكس خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله، اليوم الاثنين، بمناسبة الذكرى الفضية لتربع جلالته على عرش اسلافه الميامين، حول تحلية مياه البحر رؤية استراتيجية عميقة لمواجهة تحديات ندرة المياه في المغرب. فالمملكة تواجه تحديات مائية متزايدة، حيث تراجعت حصة الفرد من المياه من حوالي 2600 متر مكعب في الستينيات إلى قرابة 606 أمتار مكعبة حالياً، وهو مستوى يقترب من عتبة شح المياه المحددة بـ 500 متر مكعب للفرد.

في ضوء هذا الواقع، يطرح الخطاب الملكي هدفاً طموحاً يتمثل في تعبئة أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من المياه المحلاة بحلول عام 2030. هذا الهدف يتماشى مع المعطيات التي تشير إلى خطة لإنتاج 1.4 مليار متر مكعب في نفس الأفق الزمني. ويهدف هذا المشروع الضخم إلى تغطية أكثر من نصف احتياجات المملكة من الماء الصالح للشرب، إضافة إلى سقي مساحات فلاحية كبرى، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلاد.

1454961387

يولي الخطاب الملكي أهمية كبيرة لاستخدام الطاقات المتجددة في تشغيل محطات التحلية، وهو التوجه الذي تشتغل عليه وزارة التجهيز والماء خصوصا استخدام الطاقات المتجددة في جميع محطات التحلية الجديدة. ويشير جلالة الملك إلى محطة الدار البيضاء كنموذج رائد، حيث ستكون أكبر مشروع من نوعه في إفريقيا والثاني عالمياً الذي يعمل بالكامل بالطاقة النظيفة.

إن استخدام الطاقات المتجددة في عملية التحلية له فوائد متعددة، فهو يساهم في خفض التكلفة المالية للإنتاج، كما يقلل من الآثار البيئية السلبية للتحلية، ويؤكد الخبراء أن هذا النهج يساعد على تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة ومواجهة التغيرات المناخية.

صاحب السمو الملكي مولاي الحسن يدشن محطة تحلية المياه بالدار البيضاء
صاحب السمو الملكي مولاي الحسن يدشن محطة تحلية المياه بالدار البيضاء

يشدد الخطاب الملكي على ضرورة إنجاز المشاريع في الآجال المحددة دون تأخير، مما يعكس إدراك جلالة الملك لأهمية عامل الوقت في مواجهة أزمة المياه. كما يدعو إلى تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية المياه وتكوين الكوادر المتخصصة، وهو توجه يهدف إلى تعزيز القدرات الوطنية وخلق فرص شغل في هذا القطاع الحيوي.

تجدر الإشارة إلى أن المغرب يمتلك حالياً 15 محطة لتحلية مياه البحر، مما يدل على تقدم ملموس في هذا المجال، وقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاعتها، كما يتضح من تجربة مدينة أكادير التي بدأت في يناير الماضي باستخدام المياه المحلاة للشرب، مما مكن من تفادي عجز يقارب 70% من حاجات المدينة من المياه.

telecharge 6

إن أهمية هذه الاستراتيجية تتجلى بوضوح عند النظر إلى معطيات البنك الدولي، التي تشير إلى أن القطاع الزراعي، الذي يمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، يستهلك حوالي 88% من إجمالي الطلب على المياه. وتحذر هذه المعطيات من أن انخفاض توافر المياه وتراجع غلة المحاصيل بسبب ندرتها قد يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 6.5%.

ومع ذلك، يؤكد الخطاب الملكي على أن توفير المياه وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بترشيد استهلاكها. فجلالة الملك يشدد على أن الحفاظ على المياه هو مسؤولية وطنية تشمل جميع المؤسسات والمواطنين، داعياً إلى عقلنة وترشيد استعمال الماء.

ويتضح من خلال الخطاب الملكي والمعطيات المقدمة أن المغرب يتبنى استراتيجية طموحة ومتكاملة لمواجهة تحديات ندرة المياه، معتمداً على تقنيات تحلية المياه والطاقات المتجددة. هذا النهج لا يهدف فقط إلى توفير المياه، بل أيضاً إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وحماية البيئة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تنفيذ هذه المشاريع في الوقت المحدد وترشيد استهلاك المياه على المستوى الوطني، وهو ما يتطلب تضافر جهود جميع مكونات المجتمع المغربي.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *