الناطق الرسمي باسم القصر الملكي: البيعة في المغرب ميثاق دستوري يجسد الوحدة بين العرش والشعب

الناطق الرسمي باسم القصر الملكي: البيعة في المغرب ميثاق دستوري يجسد الوحدة بين العرش والشعب

- ‎فيسياسة, واجهة
البيعة
إكسبريس تيفي

باحدة عبد الرزاق

في أجواء مفعمة بالتأمل التاريخي والوطني، تزامنا مع الذكرى الفضية لتربع صاحب الجلالة على عرش أسلافه الميامين، شهدت العاصمة الرباط يوم أمس الثلاثاء حدثا ثقافيا بارزا تمثل في محاضرة قيمة ألقاها مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، الدكتور عبد الحق المريني. وتأتي هذه المحاضرة في إطار الدورة الـ 135 للملتقى الدبلوماسي الذي تنظمه المؤسسة الدبلوماسية، وحملت عنوان “رباط البيعة في تاريخ المملكة المغربية الشريفة – الدلالات والأبعاد لمسيرة وفاء دائم بين العرش والشعب”.

تناول المريني في محاضرته موضوعًا محوريًا في التاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب، وهو مفهوم البيعة وأهميتها في النسيج الوطني المغربي. وقد أكد المحاضر أن البيعة تشكل رابطة أساسية بين الشعب المغربي وملوكه وسلاطينه، مشيرًا إلى أنها كانت ولا تزال ضامنة لحقوق المبايعين وموجبة لهم القيام بالواجبات والالتزامات المنوطة بهم.

وفي سياق تاريخي، استعرض المريني جذور البيعة في المغرب، موضحًا أنها بدأت منذ عهد الأدارسة، واستمرت عبر الدول المتعاقبة: المرابطية، الموحدية، المرينية، السعدية، وصولاً إلى الدولة العلوية الحالية. هذا الاستعراض التاريخي يؤكد عمق هذا التقليد في الثقافة السياسية المغربية وتجذره في الوعي الجمعي للشعب.

وصف المريني البيعة بأنها ميثاق دستوري يقوم على مبدأ الشورى، مؤكدًا أنها ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي عقد وعهد بين أفراد الأمة وولي أمرهم. ويهدف هذا العقد إلى إصلاح أمور الرعية وأحوالهم، ونشر المساواة والعدل بينهم، والمحافظة على مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، وحماية البلاد.

وأضاف المحاضر أن البيعة تمثل أيضًا عهدًا بين الحاكم والمحكوم، يضبط واجبات وحقوق كل منهما. فالمحكوم يلتزم بالطاعة والولاء للحاكم في إطار القوانين الدينية والدنيوية المعمول بها، مما يؤسس لعلاقة متوازنة بين الطرفين.

وفي إشارة إلى التطور التاريخي لمفهوم البيعة، لفت المريني الانتباه إلى فترة حكم المغفور له الملك الحسن الثاني، الذي أطلق مصطلح “بيعة الرضوان” في سياق تحرير الصحراء المغربية واستكمال الوحدة الترابية للمملكة. هذه الخطوة عززت من ارتباط مفهوم البيعة بالقضايا الوطنية الكبرى وجعلت منها أداة لتعبئة الشعب حول قضاياه المصيرية.

وأشار المحاضر إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني جعل من حفل البيعة والولاء جزءًا لا يتجزأ من مراسيم الاحتفال بذكرى عيد العرش المجيد، مما رسخ هذا التقليد في الممارسة السياسية المعاصرة للمملكة.

وفيما يتعلق بالعهد الحالي، أكد المريني على استمرارية هذا النهج في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، مشددًا على أن العلاقة بين العرش وميثاق بيعة الشعب تظل خالدة لا تنقصم عراها. وأضاف أن هذه العلاقة تثبت الالتزامات والواجبات المتبادلة بين الملك والشعب، في إطار من الإخلاص لله والوطن والعرش.

حضر هذا اللقاء الهام عدد من السفراء المعتمدين في المملكة وممثلو المنظمات والهيئات الدولية، مما يعكس الاهتمام الدبلوماسي والدولي بفهم الأبعاد التاريخية والسياسية للنظام الملكي المغربي العريق.

وفي كلمته الافتتاحية، أكد رئيس المؤسسة الدبلوماسية، عبد العاطي جابك، على أهمية ذكرى عيد العرش المجيد، معتبرا إياها مناسبة متجددة لتجسيد أواصر الولاء والبيعة الوثقى والتلاحم العميق الذي يربط المغاربة بالعرش العلوي المجيد. كما اعتبرها فرصة للتوقف عند أهم الإنجازات التي تحققت في المملكة تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك محمد السادس.

إن هذه المحاضرة القيمة وما تضمنته من رؤى وتحليلات تسلط الضوء على عمق العلاقة بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي، وتبرز دور البيعة كآلية تاريخية وسياسية في تنظيم هذه العلاقة وضمان استمراريتها. كما تؤكد على أهمية فهم الأبعاد التاريخية والثقافية للنظم السياسية لفهم واقعها الحالي وآفاق تطورها المستقبلي.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *