باحدة عبد الرزاق
في خضم التحولات الدبلوماسية المتسارعة، جاء الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء كحدث بارز يعكس تطورًا ملموسًا في العلاقات المغربية الفرنسية ويرسم ملامح جديدة للمشهد الدولي حول قضية الصحراء. لقد كان هذا الاعتراف استجابة مباشرة وواضحة للنداء الملكي الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش عام 2021، حيث دعا فيه إسبانيا وفرنسا إلى توضيح موقفهما من قضية الصحراء المغربية، مؤكدًا أن أي شراكة استراتيجية مع المغرب يجب أن تنطلق من موقف واضح تجاه هذه القضية الوطنية.
إن الطريقة التي اختارتها فرنسا للتعبير عن موقفها الجديد تحمل في طياتها رسائل عميقة ودلالات بالغة الأهمية. فقد جاء الاعتراف في شكل رسالة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء جلالته العرش. هذا التوقيت المدروس بعناية يعكس حرص فرنسا على إضفاء طابع ودي خاص على هذا الاعتراف، وكأنه اعتذار ضمني عن المواقف السابقة وبداية لصفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
لقد شكل هذا الموقف الفرنسي تحولًا جوهريًا في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه قضية الصحراء المغربية. فبعد سنوات من تأييد مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب عام 2007، والامتناع عن التصويت في بعض القرارات الدولية، جاء هذا الاعتراف الصريح ليؤكد دعم فرنسا الكامل للسيادة المغربية على الصحراء. وهذا التحول يعكس رؤية استراتيجية جديدة تقودها الرئاسة الفرنسية، وتهدف إلى تعزيز الشراكة مع المغرب وترسيخ مكانة فرنسا في المنطقة.
إن أهمية هذا الاعتراف الفرنسي تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين لتصل إلى المستوى الدولي. فكون فرنسا ثاني دولة كبرى بعد الولايات المتحدة الأمريكية تعترف صراحة بمغربية الصحراء، يمنح القضية زخما دبلوماسيا جديدا ويفتح آفاقا واسعة للحل السياسي. هذا الموقف يشكل إشارة قوية للمجتمع الدولي ويمهد الطريق لدول أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يسرع وتيرة الحل النهائي للنزاع.
إن هذا التطور الدبلوماسي الهام يأتي ليؤكد صحة الرؤية الملكية التي تربط بناء الشراكات الاستراتيجية بالموقف من قضية الصحراء. فقد أثبتت هذه المقاربة نجاعتها مع إسبانيا أولًا، والآن مع فرنسا، مما يعزز الموقف المغربي ويقوي أوراقه التفاوضية على الساحة الدولية.
يمكن القول إن الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء يمثل منعطفا تاريخيا في مسار القضية الوطنية المغربية. فهو يعكس نجاح الدبلوماسية المغربية في كسب تأييد دولي متزايد لمبادرة الحكم الذاتي، ويفتح الباب واسعا أمام حل سياسي نهائي يضمن الوحدة الترابية للمملكة ويحقق الاستقرار والتنمية في المنطقة. إن هذا التحول في الموقف الفرنسي يبشر بعهد جديد من العلاقات الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا، ويرسخ مكانة المملكة كشريك أساسي وفاعل محوري في المنطقة والعالم.