بقلم سمير شوقي
رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية و الجيوسياسية
بقدر ما خلف قرار فرنسا بتبني البراغماتية السياسية في قضية الصحراء موجة كبيرة من تأييد الطبقة السياسية الفرنسية و بصفة خاصة بين اليمين الجمهوري الديغولي و اليمين الراديكالي الذي تقوده لوبين مروراً بأحزاب الوسط و يتقدمها حزب النهضة لماكرون، طلعت بعض أصوات اليسار لتعلن عن مواقف نشاز لابد أن نقف عليها لتفسير خلفياتها دون محاولة مصادرة حقها في الإختلاف.
و هكذا أصدر الحزب الإشتراكي بلاغاً استنكر فيه اتخاد الرئيس ماكرون “موقفاً أحادياً” دون المرور عبر البرلمان و أعتبر الموقف الفرنسي ابتعاداً عن القانون الدولي و عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. و الواقع أن هذا البلاغ هو في حد ذاته فضيحة للحزب الإشتراكي على اعتبار أنه يعود بالحزب لعقود للوراء و يبدو أنه خارج السياق التاريخي و التحول الجوهري في القضية بعد تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي سنة 2007 و تبني هذا المخطط من طرف الجمهورية الفرنسية و التي قادها بين 2012 و 2017 رئيس اشتراكي هو فرانسوا هولاند الذي صار على منوال سلفه اليميني ساركوزي في دعم المغرب في مجلس الأمن. وقد انتفضت شخصيات اشتراكية قيادية بينها وزراء سابقون لما اعتبروه مبادرة فردية للأمين العام للحزب أوليفيي فور مستنكرين فحوى البلاغ الذي اطلعوا عليه فقط في وسائل الإعلام دون استشارتهم قبل نشره، مذكرين أمينهم العام بتواريخ شكلت انعطافاً حاسماً لموقف الحزب الإشتراكي. “ففي سنة 2010، اتخد المكتب السياسي قراراً بتبني مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية و قد كانت حينها مارتين أوبري الأمينة العامة للحزب. وفي سنة 2012 ، ذكرت أوبري بهذا الموقف خلال الحملة الإنتخابية للرئاسيات”، كما جاء في البيان الذي وقعه كل من مايكل دولافوس و نجاة بلقاسم و وكارول ديلغا و ياداني دينبا و و ديوب بوريس و لمياء لعرج و آن هيدالغو، و كلهم قيادات اشتراكية.
و هذا الإنقسام امتد كذلك لحزب فرنسا الأبية حيث لم يخرج أي من قيادات الصف الأول كميلنشون و بومبارد و وبانو بأي تصريح فيما غردت بعض أصوات الصف الثاني و الثالث على منصة إكس مستنكرة القرار، على غرار زعيمة الخُضر مارين توندوليي التي عادت لتذكر بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وِفق القانون الدولي متناسية المسار الأممي و توصيات مجلس الأمن و التطور الحاصل لدى دول عظمى. بينما عاد فابيين روسيل رئيس الحزب الشيوعي لِيُقَيِمَ القضية بنظارات سوفياتية تعود لسبعينيات القرن الماضي و هو على كل حال حزب صغير لاوزن له.
و إذا كانت هذه الأصوات اليسارية بعيدة كل البعد عن البراغماتية الجيوسياسية فإن الواقع السياسي الفرنسي يجعلها أقلية في موضوع الصحراء إذا أخدنا بالإعتبار رغبة الإشتراكي أولفيي فور بمرور القرار عبر الجمعية الوطنية فإنه يغفل أنه يشكل الأقلية أمام تكتل كُتَل اليمين و الوَسط و عدم اصطفاف العديد من شخصيات الحزب الإشتراكي و فرنسا الأبية وراء الموقف التائه الذي يرمي بإرجاع عقارب التاريخ لأكثر من عشرين سنة خلفنا بينما يمضي العالم للمستقبل و يطور مواقفه وِفقَ مقاربة الواقع و الإستقرار و إطفاء بؤر التوثر.
و في الأخير نتسائل عن دور الأحزاب الإشتراكية المغربية التي تلتزم الصمت اتجاه تيهان شركائها الفرنسيين، و عن أي دور تلعبه في إطار هيئة الأممية الإشتراكية.