باحدة عبد الرزاق
في خطوة لافتة تكشف عن عمق العلاقات المغربية الأمريكية، رفعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) مؤخراً السرية عن وثائق هامة تتعلق بقضية الصحراء المغربية خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان. هذه الوثائق تسلط الضوء على الجهود الدبلوماسية الأمريكية الحثيثة لدعم الموقف المغربي في هذه القضية الحساسة، وتكشف عن تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة.
مع وصول ريغان إلى البيت الأبيض عام 1981، شهدت السياسة الأمريكية تحولا جذريا نحو دعم أكثر وضوحا للمغرب في نزاع الصحراء. هذا التحول لم يكن اعتباطيا، بل نبع من إدراك عميق لأهمية المغرب كحليف استراتيجي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في شمال إفريقيا. وقد تجلى هذا الإدراك في وثيقة مؤرخة في ديسمبر 1982، حيث تم الاستشهاد بمقال من مجلة “ذا أتلانتيك” بعنوان “المغرب: صديق محتاج”، يصف سعي الملك الحسن الثاني رحمه الله لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وتأمين دعمها في مواجهة جبهة البوليساريو.
لعب السفير الأمريكي في الرباط آنذاك، جوزيف فيرنر ريد، دورا محوريا في تعزيز هذه العلاقة. فقد عمل ريد، المعروف بحماسه لإدارة ريغان، بجد لضمان حصول المغرب على الدعم اللازم. وقد تجاوز دوره الإطار الدبلوماسي التقليدي، حيث قام بتسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للمغرب في مناسبات عدة، واصفا إياه بنقطة ضغط حاسمة على السوفييت في شمال أفريقيا.
ولم يقتصر جهد ريد على الترويج للقضية المغربية في الأوساط الدبلوماسية فحسب، بل امتد ليشمل زيادة أنشطة وكالة المخابرات المركزية في المنطقة. وفي خطوة غير مسبوقة، أصبح ريد أول سفير أمريكي يزور الصحراء، مرسلا بذلك رسالة واضحة لدعم الموقف المغربي في المنطقة.
يجب فهم هذا الدعم الأمريكي للمغرب في سياقه التاريخي الأوسع، وهو الحرب الباردة. فقد أصبح نزاع الصحراء ساحة معركة غير مباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث مثل المغرب المصالح الغربية، بينما اعتُبرت جبهة البوليساريو ممثلة لمصالح الكتلة السوفييتية. هذا السياق يفسر الخطاب الحاد الذي تبناه ريد، والذي وصل به الأمر إلى وصف الزعيم الليبي معمر القذافي علنا بأنه “قرصان” بسبب دعم ليبيا لجبهة البوليساريو.
رغم النجاحات التي حققها ريد في تعزيز العلاقات المغربية الأمريكية، إلا أن بعض الأصوات انتقدت نهجه. فقد أشار سفير أوروبي إلى أن ريد بالغ في توقعاته بالنسبة للمغرب، خاصة في ظل القيود المالية التي واجهتها الولايات المتحدة آنذاك.
إن رفع السرية عن هذه الوثائق اليوم يأتي استجابة لعدة اعتبارات استراتيجية وقانونية وسياسية، وفقا لقانون حرية المعلومات الأمريكي. وهي تقدم نظرة ثاقبة على الدور الحاسم الذي لعبته الدبلوماسية الأمريكية في دعم الموقف المغربي خلال فترة حرجة من تاريخ المنطقة. كما تؤكد هذه الوثائق على الطبيعة الاستراتيجية للتحالف المغربي الأمريكي وتأثيره العميق على السياسة الدولية خلال الحرب الباردة، وهو تحالف استمر في التطور والنمو حتى يومنا هذا.