بحكمته، المغرب يُكلف الجزائر ثمن غباء “كبراناتها”

بحكمته، المغرب يُكلف الجزائر ثمن غباء “كبراناتها”

- ‎فيرأي, سياسة, واجهة
0
باحدة عبد الرزاق
إكسبريس تيفي

باحدة عبد الرزاق 

في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، يجدر بنا أن نتوقف لحظة للتأمل بعمق وبهدوء في مسار الأمور وتطورها. تماما كهدوء ديبلوماسيتنا المغربية في تعاطيها مع مستجدات قضية وحدتنا الترابية، فما نراه اليوم ليس سوى حلقة من سلسلة طويلة من التفاعلات بين البلدين الجارين، لكنها حلقة كاشفة تستحق التمعن والتحليل الدقيق.

لقد أظهرت الأحداث الأخيرة، وخاصة ما جرى في فرنسا، مدى براعة الدبلوماسية المغربية في التعامل مع المواقف الحرجة والتحديات غير المتوقعة، فعندما قام محمد غنابالي، عمدة إيل سان دوني الفرنسية ضواحي باريس، على إغلاق جناح المشجعين المغاربة بمحطة “أفريكا ستاسيون”، المقامة بالقرب من القرية الأولمبية، ردا على شكر المغنية المغربية سعيدة شرف، خلال حفل أقامته بالمحطة، للرئيس إيمانويل ماكرون على الموقف الجديد الذي اتخذته فرنسا بشأن قضية الصحراء المغربية. لم يكن ذلك سوى محاولة يائسة لإرضاء الجانب الجزائري والتقرب منه. لكن ما لم يدركه هذا العمدة هو أنه بتصرفه هذا قد كشف عن ضعف الموقف الجزائري وحاجته المُلحة لمثل هذه الأفعال الصبيانية التي لا تليق بدولة تدعي بشكل سخيف الريادة الإقليمية.

في المقابل، نجد أن الرد المغربي كان على مستوى عال من الحكمة والرزانة، مما يعكس عمق الرؤية الاستراتيجية للمملكة. فبدلا من الانجرار إلى ردود أفعال متسرعة أو تصريحات نارية، اختار المغرب أن يرد عبر قنواته الدبلوماسية بكل ثقة وهدوء. وهنا تبرز شخصية السفيرة سميرة سيطايل، التي أثبتت أنها الشخص المناسب في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب.

إن ما قدمته سيطايل من أداء متميز في تعاملها مع الإعلام الفرنسي يعكس عمق الخبرة الدبلوماسية المغربية وقوة موقفها. فهي لم تكتف بالرد على الاتهامات والادعاءات الباطلة، بل نجحت في تقديم صورة إيجابية ومشرقة عن المغرب وقضيته العادلة. إن قدرتها على التحكم في زمام الحوار وتوجيهه بما يخدم المصالح المغربية هو درس في فن الدبلوماسية وإدارة الأزمات.

ومن المثير للتأمل أن نرى كيف أن الجزائر، بكل مؤسساتها وأجهزتها وثقلها السياسي المزعوم، تجد نفسها في موقف المدافع أمام سفيرة واحدة. هذا التباين الصارخ يكشف عن حقيقة الوضع: المغرب يتقدم بثبات وثقة نحو المستقبل، مسلحا برؤية واضحة وإرادة صلبة، بينما تجد الجزائر نفسها أسيرة لماض لم تعد له صلة بواقع اليوم وتحدياته.

إن النجاح الدبلوماسي المغربي لا ينبع من فراغ، بل هو نتيجة لرؤية استراتيجية واضحة تقودها قيادة حكيمة تدرك أهمية الدبلوماسية الهادئة والفعالة. فالمغرب يدرك تماما أن مستقبله مرتبط بقدرته على بناء جسور التواصل والتعاون، وليس بهدمها أو تقويضها. وهذا ما يتجلى بوضوح في نهجه الدبلوماسي المنفتح على العالم والساعي دوما إلى تعزيز مكانة المملكة على الساحة الدولية.

ولعل من أبرز مظاهر هذا النجاح الدبلوماسي هو قدرة المغرب على كسب التأييد الدولي لقضيته الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية. فبينما تسعى الجزائر جاهدة لعرقلة أي تقدم في هذا الملف، نجد أن المغرب يحقق انتصارات دبلوماسية متتالية، سواء من خلال فتح قنصليات للدول الصديقة في الأقاليم الجنوبية، أو من خلال الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء من قبل دول مؤثرة على الساحة الدولية.

إن هذا النجاح الدبلوماسي يعكس أيضا قوة الموقف المغربي وعدالة قضيته. فالمغرب لم يكتف بالدفاع عن حقوقه التاريخية فحسب، بل قدم مبادرات بناءة وواقعية لحل النزاع، كمقترح الحكم الذاتي الذي حظي بإشادة دولية واسعة. وفي المقابل، نجد أن الموقف الجزائري لا يزال أسير لخطاب قديم لم يعد له مكان في عالم اليوم.

ومن الجدير بالذكر أن نجاح الدبلوماسية المغربية لا يقتصر على ملف الصحراء فحسب، بل يمتد ليشمل مجالات أخرى عديدة. فالمغرب اليوم يلعب دورا محوريا في قضايا إقليمية ودولية عديدة، من مكافحة الإرهاب إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب، ومن دعم القضية الفلسطينية إلى المساهمة في جهود التنمية المستدامة في أفريقيا.

إن هذا الدور الريادي للمغرب يثير حفيظة بعض الأطراف، وعلى رأسها النظام الجزائري، الذي يجد نفسه عاجزا عن مجاراة التقدم المغربي. ولعل هذا ما يفسر التصرفات غير المسؤولة التي نراها من حين لآخر، كمحاولة إغلاق الجناح المغربي في المعرض الفرنسي.

لكن المغرب، بحكمته المعهودة، يختار دائما الرد بالطرق الدبلوماسية الراقية. فبدلا من الانجرار إلى مهاترات إعلامية أو تصعيد غير محسوب، يفضل المغرب اللجوء إلى المنابر الدولية وإلى لغة العقل والمنطق. وهذا ما نراه جليا في أداء السفيرة سميرة سيطايل، التي استطاعت بحنكتها وذكائها أن تفند الادعاءات الباطلة وأن تقدم الصورة الحقيقية للمغرب أمام الرأي العام الفرنسي والدولي.

إن هذا الأداء الدبلوماسي الرفيع يعكس حقيقة مهمة: المغرب اليوم أقوى من أن ينجر إلى مناوشات صغيرة أو معارك جانبية. فالمملكة، بقيادتها الحكيمة، تدرك أن مستقبلها يكمن في التنمية والتقدم، وليس في الصراعات العقيمة. ولعل هذا ما يفسر التركيز المغربي على المشاريع التنموية الكبرى، سواء داخل المغرب أو في إطار التعاون مع الدول الأفريقية الشقيقة.

يمكننا القول إن ما نشهده اليوم هو انعكاس لحقيقة أعمق: المغرب يسير بخطى واثقة نحو مستقبل واعد، مدعوما بدبلوماسية ذكية وقيادة حكيمة تدرك تماما متطلبات المرحلة وتحدياتها. أما الجزائر، فتجد نفسها في موقف صعب، تحاول جاهدة إثبات وجودها عبر أفعال لا تليق بدولة تطمح لدور إقليمي مهم، وفي نفس الوقت فهي في كل مرة تجد نفسها تدفع ثمن غباء “كبراناتها”.

لنتأمل إذن بهدوء في هذه المشاهد، ولنستخلص منها الدروس التي ستقودنا نحو مستقبل أفضل لشعوب المنطقة جمعاء. فالتاريخ يعلمنا أن النجاح الحقيقي لا يكون على حساب الآخرين، بل في التعاون والبناء المشترك. وهذا ما يسعى إليه المغرب بكل حكمة وتبصر، مد يد التعاون لجميع جيرانه، بما فيهم الجزائر، من أجل بناء مغرب عربي قوي وموحد يكون في مستوى تطلعات شعوبه وطموحاتها.

إن الدبلوماسية المغربية، بنجاحاتها المتتالية، تثبت يوما بعد يوم أن نهج الحكمة والاعتدال هو السبيل الأمثل للتعامل مع تحديات العصر. وفي ظل قيادة حكيمة ورؤية استراتيجية واضحة، يبقى المغرب واثقا من قدرته على تجاوز كل العقبات والمضي قدما نحو تحقيق طموحاته التنموية والحضارية.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *