الرؤية الثاقبة لجلالة الملك: معالجة جذور مشكلة القنب الهندي بفرص تنموية حقيقية

الرؤية الثاقبة لجلالة الملك: معالجة جذور مشكلة القنب الهندي بفرص تنموية حقيقية

- ‎فيسياسة, واجهة
الملك
إكسبريس تيفي

باحدة عبد الرزاق

في خطوة تاريخية تعكس الرؤية الحكيمة والبعيدة المدى لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، شهدت المملكة المغربية تحولا جذريا في سياستها تجاه زراعة القنب الهندي. فقد أصدر جلالته عفوا ملكيا ساميا شمل 4831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي. هذا القرار الملكي السامي، الذي جاء بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، يمثل نقطة تحول محورية في تاريخ المملكة ويرسم ملامح مستقبل أكثر إشراقا لعشرات الآلاف من المواطنين المغاربة وعائلاتهم.

يأتي هذا العفو الملكي في إطار استراتيجية شاملة ومتكاملة تبنتها المملكة المغربية لتقنين زراعة القنب الهندي واستخداماته المشروعة. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق توازن دقيق بين عدة أهداف: تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المعنية، مكافحة الاستخدامات غير المشروعة للنبتة، وفتح آفاق جديدة للاستثمار في مجالات الصناعات الدوائية والتجميلية. وقد تجسدت هذه الرؤية الملكية السامية في إصدار القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، والذي يعد خطوة رائدة على المستوى الإقليمي والدولي.

إن الأبعاد السوسيواقتصادية لهذا العفو الملكي عميقة وبعيدة المدى. فهو يمنح الآلاف من صغار المزارعين فرصة ثمينة للاندماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي بشكل قانوني ومشروع. هذه الخطوة ستساهم بشكل كبير في تحسين الظروف المعيشية لهؤلاء المزارعين وعائلاتهم، وستفتح أمامهم آفاقا جديدة للمشاركة الفعالة في التنمية المحلية والوطنية. كما أنها ستساعد في الحد من الفقر في المناطق المستهدفة، والتي غالبا ما عانت من نقص الفرص الاقتصادية.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا العفو إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي في المناطق المعنية، حيث سيتمكن المزارعون من ممارسة نشاطهم دون خوف من الملاحقة القانونية. هذا الأمر سيساهم في تقوية الروابط الأسرية والمجتمعية، ويحد من التوترات الاجتماعية التي كانت سائدة في السابق. كما سيساهم في تقويض نفوذ شبكات الاتجار غير المشروع في المخدرات، التي طالما استغلت ضعف وهشاشة هؤلاء المزارعين.

وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية، قامت الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي بدور محوري في تنظيم وضبط هذا القطاع. فمنذ مطلع عام 2024، قامت الوكالة بإصدار 3029 ترخيصا، منها 2837 ترخيصا لفائدة 2659 فلاحا لنشاط زراعة وإنتاج القنب الهندي. هذه الأرقام تعكس الإقبال الكبير على هذا القطاع الواعد والثقة في الإطار القانوني الجديد. كما أصدرت الوكالة تراخيص متنوعة لأنشطة أخرى مرتبطة بالقطاع، مثل التحويل والتسويق والتصدير واستيراد البذور، مما يشير إلى تطور سلسلة القيمة المضافة في هذا المجال.

ومن الجدير بالذكر أن المغرب اختار نهجا فريدا في تقنين زراعة القنب الهندي، حيث تم توجيه هذا النشاط نحو الفلاحين التقليديين بدلا من فتحه أمام المصنعين الكبار. هذا النهج يهدف إلى دعم المجتمعات الريفية التي تمتلك خبرة تاريخية في زراعة هذه النبتة، ومنحها فرصة للاستفادة من هذا التحول نحو الاستخدامات المشروعة. كما يساعد هذا النهج في الحفاظ على المعارف التقليدية والممارسات الزراعية المستدامة التي تطورت عبر الأجيال.

وفي خطوة تنظيمية هامة، تم تحديد نطاق زراعة القنب الهندي القانوني في ثلاثة أقاليم هي الحسيمة وشفشاون وتاونات. هذا التحديد يأتي التزاما بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وخاصة الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961. كما يسمح هذا التحديد للسلطات بمراقبة وتنظيم الإنتاج بشكل أفضل، مما يقلل من مخاطر الانحراف والزراعة غير القانونية.

ومن الملامح البارزة لهذه الاستراتيجية تنظيم الفلاحين المرخص لهم في تعاونيات. هذا الإجراء يعالج مشكلة تجزؤ الأراضي الزراعية، حيث أن أكثر من 80% من الأراضي في المناطق المعنية تقل مساحتها عن هكتار واحد. كما يمنح التعاونيات قوة تفاوضية أكبر أمام المصنعين، ويسهل على الوكالة والقطاعات الحكومية الأخرى عملية التأطير والمراقبة.

وقد أولت الحكومة المغربية اهتماما خاصا بضمان جودة وسلامة المنتجات. فقد تم وضع معايير صارمة لزراعة وإنتاج القنب الهندي، سواء للاستخدامات الطبية أو الصناعية. كما تم إطلاق دراسات علمية، بالتعاون مع المعهد الوطني للبحث الزراعي، لتحسين خصائص الصنف المغربي المحلي “البلدية” وضمان مطابقته للمعايير الدولية.

إن هذه المبادرة الملكية الحكيمة تضع المغرب في موقع ريادي على المستوى الدولي في مجال تقنين زراعة القنب الهندي للاستخدامات المشروعة. فهي تمثل نموذجا فريدا يجمع بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، ومكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات من جهة أخرى. كما تفتح آفاقا واعدة للاستثمار في مجالات جديدة مثل الصناعات الدوائية والتجميلية، مما قد يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة.

وفي الوقت نفسه، تؤكد هذه الاستراتيجية على التزام المغرب بمكافحة الاتجار الدولي في المخدرات. فمن خلال توفير بدائل قانونية ومربحة للمزارعين، تسعى المملكة إلى تقليص مصادر التمويل للشبكات الإجرامية وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

يمكن القول إن العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي وتقنين هذا القطاع يمثلان خطوة جريئة وحكيمة نحو مستقبل أفضل. فهما يفتحان الباب أمام تنمية مستدامة في المناطق المعنية، ويمنحان الآلاف من المواطنين فرصة للمشاركة في بناء اقتصاد قانوني ومزدهر. إن هذه السياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس تضع المغرب في طليعة الدول التي تتبنى مقاربات مبتكرة وفعالة في التعامل مع قضايا معقدة مثل زراعة القنب الهندي.

هذه المبادرة تعكس أيضا الحس الإنساني العميق والرؤية الاستراتيجية الثاقبة لجلالة الملك. فهي لا تقتصر على معالجة الأعراض السطحية لمشكلة قائمة، بل تتعامل مع جذور المشكلة من خلال توفير بدائل حقيقية وفرص واقعية للتنمية والازدهار. وبهذا، يؤكد المغرب مرة أخرى على مكانته كنموذج للتنمية المستدامة والحكم الرشيد في المنطقة والعالم.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *