إكسبريس تيفي: مصطفى الفيلالي
ترأس الملك محمد السادس، اليوم الاثنين بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة.
وتأتي هذه الجلسة في أعقاب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بعد انتهاء مهامها داخل الأجل المحدد لها، تقريرا يتضمن أكثر من مائة مقترح تعديل، وبعد تفضل الملك، بإحالة تلك المرتبطة منها بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا، وأيضا بعد قيام جلالته، بالتحكيمات الضرورية بالنسبة للقضايا التي اقترحت فيها الهيئة أكثر من رأي، أو تلك التي تطلب الأمر مراجعتها في ضوء الرأي الشرعي، والتي رجح فيها جلالته الخيارات التي تنسجم مع المرجعيات والغايات المحددة في مضمون الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى رئيس الحكومة، وكذا تلك الواقعة في دائرة الضوابط المحددة لعمل الهيئة، وفي مقدمتها ضابط “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”.
كما أكد الملك، على ضرورة استحضار إرادة الإصلاح والانفتاح على التطور التي ينشدها جلالته، من خلال إطلاق هذه المبادرة الإصلاحية الواعدة، بعد مرور عشرين سنة على تطبيق مدونة الأسرة، وضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، والنظر إلى مضامين المراجعة في تكامليتها، وأنها لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهم الأسرة المغربية، التي تشكل “الخلية الأساسية للمجتمع”، وهو ما يتطلب الحرص على بلورة كل ما تقدم، في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتجاوز تضارب القراءات القضائية، وحالات تنازع تأويلها.
ويأتي ورش إصلاح مدونة الأسرة، الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إطار الإرادة الملكية الرامية إلى تعزيز وتقوية الأسرة باعتبارها الركيزة الأساسية للمجتمع المغربي، استكمالًا للإصلاح الذي تم عام 2004، والذي شكل منعطفًا هامًا في مجال حقوق المرأة وتعزيز وضعها، وأبرز خصوصية النموذج المغربي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويرسم جلالته من خلال هذه المدونة، مرة أخرى الطريق، مجيبًا على التحديات المرتبطة بتطور المجتمع المغربي، مع الحفاظ على مبادئ الإسلام وخصوصيات الأسرة المغربية، في احترام لمبادئ المساواة والعدالة والتضامن.
كما تعتبر جلسة العمل هذه تتويجا لمسار التشاور والنقاش الواسع الذي تبناه صاحب الجلالة الملك بشأن مراجعة مدونة الأسرة، حيث مر هذا المسار بمراحل الاستماع إلى جميع الأطراف المعنية، ووضع وتكييف المقترحات، وطلب رأي الفقه بشأنها، إضافة إلى التحكيم الملكي في بعض القضايا المطروحة، وصولًا إلى مرحلة الحكومة في إعداد مشروع القانون والمرحلة التشريعية.
وإضافة إلى ما سبق، تأتي هذه الجلسة لإغلاق عملية التفكير والتشاور المتعلقة بمراجعة مدونة الأسرة، بعد أن قدمت الهيئة المعنية بهذا الموضوع إلى صاحب الجلالة الملك، في الوقت المحدد، تقريرًا يتضمن أكثر من 100 اقتراح تعديل، وبعد أن قدم صاحب الجلالة الملك بعض تلك المقترحات المتعلقة بالنصوص الدينية إلى المجلس العلمي الأعلى الذي أصدر رأيه الشرعي بشأنها. وكذا بإجراء التحكيمات اللازمة التي تهدف إلى مصلحة الأسرة المغربية، وفقًا للمرجعيات المحددة والأهداف المبتغاة.
وشكلت هذه الجلسة أيضاً فرصة لوزير العدل لعرض منهجية الهيئة أمام صاحب الجلالة الملك، لا سيما في مرحلة الاستماع والأخذ بعين الاعتبار، بالإضافة إلى المقترحات التي قدمت إلى صاحب الجلالة الملك والأهداف والغايات المتوخاة. ومن جانبه، قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية نتائج رأي المجلس العلمي الأعلى بشأن بعض القضايا المتعلقة بالنصوص الدينية، التي تم عرضها على المجلس بموجب طلب ملكي.
وتعرض النتائج التي قدمت إلى صاحب الجلالة الملك الأسس الشرعية لبعض مقترحات الهيئة التي تعزز المصلحة والاجتهاد البنّاء لإيجاد حلول مبتكرة تخدم مصلحة الأسرة المغربية وتضمن ديمومتها، مع الاحترام الكامل لمقتضيات الشريعة.
ودعا صاحب الجلالة الملك المجلس العلمي الأعلى إلى إنشاء إطار داخلي لمتابعة التفكير والاجتهاد البنّاء بشأن قضايا الأسرة، وتعميق البحث في المسائل الفقهية التي تطرحها التحولات التي تعرفها الأسرة المغربية والحلول المبتكرة التي تتطلبها لتواكب التحولات الاجتماعية.
كما يهدف صاحب الجلالة من خلال إنشاء هذا الإطار المؤسسي إلى فتح الباب بشكل دائم للاجتهاد خدمة للمصلحة العليا للأسرة، في ضوء تطور المجتمع، ولجعل الاجتهاد ليس مقتصرًا على المناسبات أو مرتبطًا بطلب فتوى تقدم إلى المجلس العلمي الأعلى.
وشدد صاحب الجلالة الملك على ضرورة تواصل رئيس الحكومة والوزراء المعنيين مع الرأي العام بشأن مراجعة مدونة الأسرة باعتبارها قضية تهم جميع فئات المجتمع. مع إصرار جلالته على أهمية إعلام المواطنين والمواطنات بكل مستجدات مراجعة المدونة، وكذلك المحاور الرئيسية لهذا الإصلاح، التي سيتكفل الحكومة بتقنينها في مواعيد معقولة قبل المرحلة البرلمانية.
هذا وسيتم الإعلان عن موضوع هذه المراجعة للرأي العام، لتوضيح الخطوط العريضة لإصلاح مدونة الأسرة ومراحله المختلفة، وكذلك المبادئ التي ارتكز عليها.
وذكر صاحب الجلالة أيضا المراجع والأسس التي يجب أن تحكم المرحلة التشريعية لمراجعة مدونة الأسرة، وكذلك النقاشات والتصويتات التي ستجري في مجلسي البرلمان، كما ورد في بنود الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة. وتتضمن هذه التوجيهات العليا ضرورة أن يستوعب مشروع إصلاح مدونة الأسرة مبادئ العدالة والمساواة والتضامن والانسجام التي تنبثق من الإسلام والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وأشار صاحب الجلالة الملك إلى ضرورة أن تكون المرحلة التشريعية متجذرة في روح الإصلاح والانفتاح، بهدف ضمان الحماية القانونية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة. مشدداً على أهمية مراعاة صياغة المقترحات المستخلصة من الاجتهاد في إطار قواعد قانونية ونصوص تشريعية واضحة ومفهومة، لتسهيل تنفيذها وتجنب التفسيرات القضائية المتباينة.
وفي هذا الصدد، أكد صاحب الجلالة الملك على ضرورة أخذ جميع المحاور الأخرى بعين الاعتبار التي تعزز وتقوي إصلاح مدونة الأسرة، سواء من خلال تعزيز تجربة العدالة الأسرية، أو مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، أو من خلال وضع برامج توعية تمكن المواطنات والمواطنين من الوصول إلى القانون وفهم حقوقهم وواجباتهم.