أصدرت فدرالية اليسار الديمقراطي بيانًا ناريًا، اتهمت فيه السلطات بـ”التغوّل في الفساد”، ودعت إلى تفعيل المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، التي تخوّل عزل المنتخبين في حال ثبوت خروقات جسيمة. كما انتقدت ما وصفته بالانحباس السياسي واستفراد الحكومة بالقرار، وتهميش المجتمع المدني.
لكن الحدث الأبرز في البيان كان إعلان الفدرالية تضامنها المطلق مع عضو مكتبها السياسي فاروق مهداوي، معتبرةً أنه يتعرض لحملة تشهير وضغوط وصلت حد تقديم شكاية قضائية ضده، واصفة ذلك بـ”السيناريو المصطنع” لإسكات الأصوات المعارضة، خاصة فيما يتعلق بفضح تجاوزات عمليات الهدم في الرباط.
تكشف الوقائع أن الشكاية المقدمة ضد مهداوي ليست مرتبطة بملف الهدم، ولا بضغط من السلطات، بل جاءت من الصحفي المغربي الكارح أبو سالم، الذي رفع دعوى قضائية ضده بتهمة القذف والتشهير. القضية تعود إلى تدوينة نشرها مهداوي على فيسبوك، وصف فيها الصحفي بـ”المحتال”، متهمًا إياه بانتحال صفة مسؤول إعلامي في الاتحاد العربي للبناء والتنمية العقارية. إلا أن الصحفي قدّم وثائق رسمية تؤكد صحة صفته المهنية، مما عزز موقفه القانوني أمام النيابة العامة بالرباط.
الأزمة تصاعدت عندما استضافت قناة فرانس 24 فاروق مهداوي في برنامج “وجهاً لوجه”، حيث تمت مواجهته مباشرة مع الصحفي الكارح أبو سالم لمناقشة ملف تصميم تهيئة الرباط وعمليات الهدم والترحيل. خلال الحلقة، دافع الصحفي عن قرارات الهدم، مشيرًا إلى أنها تستند إلى معايير قانونية. لكن بعد انتهاء البرنامج، شنّ مهداوي هجومًا عنيفًا على الصحفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متهمًا إياه بمحاباة السلطة، وهو ما دفع الإعلامي إلى اللجوء إلى القضاء لحماية سمعته المهنية
القضية لم تبقَ في نطاقها المحلي، إذ استغل الإعلام الجزائري تصريحات فاروق مهداوي خلال استضافته في قناة “بديل” التي يديرها الصحفي حميد المهداوي. حيث اعتبر أن عمليات الهدم في المغرب عشوائية، وأنها ستطال أحياء أخرى قريبًا. هذه التصريحات وجدت طريقها سريعًا إلى نشرات الأخبار في التلفزيون الجزائري، الذي استغلها لمهاجمة السلطات المغربية، ما وضع مهداوي في موقف محرج، خاصة بعد عدم تبرّئه من توظيف تصريحاته ضد بلده.
فدرالية اليسار الديمقراطي باتت أمام معضلة سياسية وأخلاقية، إذ سارعت إلى مناصرة عضوها دون انتظار نتائج التحقيقات القضائية. لكن بعد انكشاف تفاصيل القضية، أصبح واضحًا أن الأمر لا يتعلق بـ”قمع سياسي”، بل بمواجهة قضائية بين معارض وصحفي مستقل.
هذا يضع الفدرالية أمام خيارين: التمسك بموقفها، مع ما يحمله ذلك من مخاطر قانونية وسياسية، أو مراجعة موقفها، تفاديًا للإحراج وتعزيزًا لمصداقيتها أمام الرأي العام.
بين القضاء، الإعلام، والسياسة، تتحول قضية فاروق مهداوي من نزاع فردي إلى اختبار سياسي لفدرالية اليسار. فيما يترقب الرأي العام المغربي ما ستؤول إليه هذه المواجهة، التي لم تعد خلافًا داخليًا، بل ورقة يستغلها الإعلام الخارجي للنيل من صورة المغرب