في مشهد يشبه العودة إلى عصور مطاردة الساحرات (La Chasse aux Sorcières)، تصدّرت أصوات تروّج لحملة “تطهير مواقع التواصل الاجتماعي”، مستغلة قضايا معزولة لإطلاق سرديات مضللة تهدف إلى تسفيه القضاء المغربي وتشويه صورة العدالة. لكن خلف هذه الشعارات الرنانة، يبرز خلط خطير للأوراق يُراد به تغليط الرأي العام وتوجيهه بعيدًا عن جوهر الحقيقة.
لا جدال في أن التفاهة طغت على الفضاء الرقمي وأن هناك حاجة ملحّة إلى تقويم المشهد العام. لكن تصوير هذا الواقع كمعركة كبرى تتطلب “تطهيرًا” شاملًا ليس سوى عبث مفضوح. فمن يروّجون لهذه السردية يحاولون اختزال قضايا فردية في حملة زائفة تستهدف تصفية الحسابات مع القضاء والصحافة الجادة.
خذوا مثلًا قضية “ولد الشينوية” و”بنت عباس”، حيث توبع المتهم الأول بتهم إهانة الضابطة القضائية وتبادل السب والقذف، وهي تهم واضحة لا لبس فيها. أما قضية هيام سطار، فليست سوى ملف جنائي طبيعي انطلق بشكاية من جمعية حقوقية دافعت عن أطفال قاصرين تعرضوا لوضعية صعبة. تصوير هذه الملفات وكأنها جزء من “حملة تطهيرية” يعكس جهلًا أو سوء نية من يروّجون لمثل هذه المزاعم.
الأخطر من ذلك هو الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مؤسسات صحافية وصحافيون بعينهم، فقط لأنهم فضحوا شبكات ابتزاز حقيقية تنشط تحت غطاء جمعيات ومؤثرين رقميين. هذه الشبكات لا تكتفي بالعبث في العالم الافتراضي، بل تتغلغل في أرض الواقع، مستهدفة القضاء والجهات التي تعمل على كشف الحقائق.
القضاء المغربي لا يشن حملات وهمية، ولا ينخرط في معارك زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي. بل هو مؤسسة تحترم القانون وتتابع من ارتكبوا جرائم واضحة، سواء في الفضاء الرقمي أو خارجه. الادعاء بأن القضاء يخوض حملة لتقييد حرية التعبير ليس سوى تسفيه لدوره ومحاولة خبيثة لتأليب الرأي العام ضد العدالة.
كفى من محاولات تضليل الناس وخلط الأوراق. القضاء يؤدي دوره، والصحافة تكشف الحقائق، وأي محاولة لتأجيج الفوضى لن تخدم إلا من يتغذون على العبث والابتزاز. لنُعِد النقاش إلى مساره الصحيح، بعيدًا عن حملات التشويش ودعاوى التطهير المزعومة.