في تحليل لأبعاد الندوة الوطنية بسيدي رحال ، احمد بلمان يكتب : نشأة البوليساريو ناتجة عن خطأ مغربي
حدث كبير عاشه الاقليم مؤخرا لم ينل مايستحق من تحليل أبعاده ورسائله المتعلقة بتطورات القضية الوطنية وبالتحولات النوعية في مواقف العديد من القوى الدولية المؤثرة بخصوص هذا النزاع المفتعل .يتعلق الأمر بزيارة قيادي كبير بجبهة البوليساريو يدعى المحجوب السالك ،قدم نفسه ، في ندوة أقيمت بسيدي رحال من تنظيم مشترك بين مكتب البرلماني واعمر وجمعية الصداقة المغربية الأوروبية ،على أنه منسق عام لتيار خط الشهيد ،وهو تيار معارض لقيادة الجبهة الانفصالية التي دأبت على تنظيم مؤتمرات شكلية وغير ديمقراطية ،حسب شهادته ، لإحكام سيطرتها وقبضتها الحديدية على سكان المخيمات المحتجزين تحت وصاية من المخابرات الجزائرية .
ماأثار انتباهي في كلمة السالك يمكن أن أجمله في النقاط الآتية :
اولا : تحذثه بكل وحرية ،حول ظروف نشأة هذا الكيان من قبل شباب صحراوي حماسي ولد وترعرع ودرس في مدارس وكليات بلاده المغرب .فالذي يجهله الكثير من المغاربة أن هؤلاء الشباب الصحراوي لجأ أول مالجأ إلى الطبقة المغربية الحاكمة أنذاك لدعم كفاحهم كمغاربة لطرد الاحتلال الاسباني ، غير أن حسابات تلك الطبقة وقتها وهي حديثة عهد بتدبير أمور الدولة والبلاد التي خرجت من عباءة الاستعمار الفرنسي لم تكن موفقة ، بل ارتكبت خطأ عندما تعاملت بعنهجية مع ذلك المطلب وقمعت أصحابه ، وهكذا تم تقديمهم في طابق من ذهب الى نظام القذافي وبعدها الجزائري الذين عملا على غسل أدمغتهم بأن حرفت كليا قضية دعمهم بالسلاح من قضية استكمال المغرب لاستقلال كافة مناطقه المحتلة إلى قضية المطالبة بتأسيس دويلة لم يكن لها وجود او كيان سياسي مستقل عن الحكم في المغرب .
ثانيا : أن تأتي شخصية من حجم السالك ،ذاقت ويلات التعذيب داخل سجون هذا التنظيم الذي ارتكب ولايزال أبشع انواع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، سواء في علاقته بمعارضيه أوساكنة المخيمات ،او من خلال جرائم الحرب وضد الإنسانية التي اقترفها إبان النزاع المسلح ، وتقدم نفسها ، باسم تيار معارض داخل الجبهة ، وليس من خارجها ، فهذا دليل أن قيادات كثر داخل هذا الكيان المصطنع باثت تدرك حجم الخطأ التاريخي التي وقعت فيه عندما صدقت وهم سياسي غلف بشعارات براقة من شعارات الحرب الباردة إسمه الجمهورية العربية الصحراوية ، التي توجد فقط في مخيلة النظام العسكري الجزائري الذي يريد أن يخلق منها واقعا موضوعيا حيا شبيه بمن يريد أن يقنع نفسه أن إنسان ميت ممكن أن يحيى من جديد في هذه الحياة .
ثالثا : أن يصل السالك ومعه قيادات كثيرة في الجبهة الانفصالية إلى الجهر بمواقف من داخل الجبهة ، وأشدد على “من داخل الجبهة “، بأن لا حل سياسي لقضية الصحراء المغربية غير القبول بمقترح الحكم الذاتي أو العيش في جحيم مخيمات الذل والعار ، كخيارين لا ثالث لهما ، فهذا دليل يؤكد ،من جهة ، نجاح المغرب في تقديم مقترح سياسي جدي وذي مصداقية أصبح محل تأييد واشادة من القوى الكبرى ،بما فيها أسبانيا المستعمر السابق للصحراء ،مقترح يجيب بشكل شجاع على مختلف تعقيدات وإشكاليات النزاع ،بما فيها أن المغرب ارتكب أخطاء في تدبير ملف وحدته الترابية ، لذلك فهو يريد ان يمسك العصا من الوسط .فلا هو يفرط في سيادته على صحرائه ولا هو يعدم تطلعات ورغبات الصحراويين في الاعتراف لهم بخصوصية قبلية وثقافية ،شكلت مرتكزا من مرتكزات تصريف شؤونهم في إطار بلدهم المغرب ، ومن جهة ثانية يتبث أن النظام العسكري الجزائري يستشعر حجم الورطة والخطأ الاستراتيجي عندما احتضن ملشيات مسلحة ،تبرأت منها جميع الدول العربية ،باستثناء الجزائر التي تحلم بخلق دويلة تابعة لها فوق الصحراء المغربية وتكون لها منفذا على المحيط الأطلسي يمكنها من تقزيم ومحاصرة المغرب وقطع روابط واواصر عمقه الافريقي .
خلاصة الخلاصات أن المغرب استطاع ، من خلال اعتماده على ديبلوماسية فعالة تجيد قراءة المتغيرات الدولية والتحولات الجيواستراتيجية وتجيد مخاطبة ضمائر الكثير من الصحراويين المغرر بهم ، أن يخرج ملف وحدته الترابية من دائرة ردود الافعال على مناورات ومخططات خصومه ،إلى فضاء أرحب لتحقيق جملة من الاختراقات والمكتسبات والانتصارات من شأنها حسم هذا النزاع وطيه بشكل نهائي .