بمناسبة المناظرة الوطنية حول موضوع حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق –كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة

بمناسبة المناظرة الوطنية حول موضوع حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق –كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة

- ‎فيمجتمع
0
IMG 20230619 WA0053
إكسبريس تيفي

IMG 20230619 WA0055

إكسبريس تيفي /

كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض،
رئيس النيابة العامة
بمناسبة المناظرة الوطنية حول موضوع حماية الأطفال
في تماس مع القانون – الواقع والآفاق –
19 – 21 يونيو 2023 بقصر المؤتمرات بالصخيرات

 

 

 

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

السيد وزير العدل؛
السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل؛
السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة؛
السيد الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية نيابة عن السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية:
السادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
السيد منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء؛
السيدة سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب؛
السيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب؛
السيدة رئيسة مجلس أوروبا بالمغرب؛
السيد مدير التربية غير النظامية ممثل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؛
السيد رئيس جمعية هيئات المحامين؛
السيدات والسادة المسؤولون القضائيون؛
السيدات والسادة القضاة؛
السيد نقيب هيئة المحامين بالرباط؛
السادة المحامون؛
السيدات والسادة ممثلو القطاعات الحكومية؛
السيدات والسادة ممثلو المجتمع المدني؛
حضرات السيدات والسادة، الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له.
السيدات والسادة الافاضل؛
يسعدني أن التقي بكم اليوم من أجل التناظر حول موضوع يخص أهم شريحة في المجتمع تعتبر عماد المستقبل وأساسه وهي فئة الأطفال، وما التئام جمعنا اليوم إلا دليل على حرصنا جميعا على استمرار النهوض بأوضاع الطفولة ببلادنا والمضي بها قدما نحو أرقى الظروف وأفضل الممارسات التي أقرها تشريعنا الوطني انسجاما مع مقتضيات الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل التي نسجل مرور ثلاثين سنة على مصادقة بلادنا عليها.
ولا تفوتني المناسبة للتوجه بالشكر الجزيل لشركائنا الاستراتيجيين في مسار حماية الطفولة: السيدة عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والسيد المهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل على التفاعل والاستجابة والاستعداد للشراكة البناءة والحوار المثمر من أجل تدليل كل الصعوبات التي تحول دون تحقيق الحماية الفعلية للأطفال في تماس مع القانون. وكذا مساعديهم.
والشكر موصول للسيدة speciose hakizimana سبيسيوز هاكيزيمانا ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب على الدعم المتواصل لرئاسة النيابة العامة وعلى التبني المستمر لبرامجنا المشتركة من أجل تعزيز حماية الطفولة.
والشكر موصول أيضا للسيدة سفيرة الاتحاد الأوروبي من أجل التفاعل باستمرار مع مختلف أوراش رئاسة النيابة العامة لتفعيل أولويات السياسة الجنائية ببلادنا.
كما أرحب بكل ضيوفنا في هذا الحدث الهام مؤكدا بان نجاحه لن يتأتى إلا بانخراط الجميع في رؤية واضحة تصارحية شفافة تستهدف الحلول الواقعية الفضلى لحماية الأطفال في تماس مع القانون.
حضرات السيدات والسادة ؛
إن حرص بلادنا على الارتقاء بشأن الطفولة ليس وليد اليوم بل تؤكده العديد من المواقف التاريخية للمملكة المغربية. ولاشك أن في مقدمتها المبادرة الملكية المتمثلة في انتقال المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني شخصيا إلى نيويورك من أجل التوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تمت المصادقة عليها لاحقا سنة 1993 ، مما يعكس مكانة قضايا الطفولة لدى جلالته طيب الله تراه، التي ترجمها من خلال العديد من توجيهاته السامية كتلك التي ضمنها في الخطاب الموجه للمؤتمر الوطني الأول لحقوق الطفل المنعقد سنة 1994 الذي جاء فيه ” إن الطفولة هي دعامة المستقبل وأمل البشرية في غد أفضل …وأن حضارة الأمم والشعوب انما تقاس بمبلغ عنايتها واهتماها بأطفالها…” انتهى النطق الملكي السامي.
كما عزز رضوان الله عليه هذه العناية سنة 1995 بإحداث المرصد الوطني لحقوق الطفل من أجل تتبع تفعيل مقتضيات هذه الاتفاقية، وأسند رئاسته لكريمته صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، التي ما فتئت سموها تولي رعاية خاصة لقضايا الطفولة من خلال عمل دؤوب ومبادرات مبدعة جعلت من المرصد الوطني لحقوق الطفل ركيزة أساسية لا غنى عنها من أجل إرساء فعلي لثقافة حقوق الطفل ونهوض حقيقي بحماية الأطفال من أي انتهاك أو استغلال يطالهم.
وسيرا على نهج والده المنعم أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأيده عناية خاصة لقضايا الطفولة ولأولوية الحفاظ على حقوق الأطفال سواء على مستوى الحماية الجسدية والنفسية أو على مستوى النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ونستحضر في هذا الصدد مقتطفات من رسالة جلالته السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الدورة الخامسة للمؤتمر الإسلامي للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي انعقد في 21 فبراير 2018 بالرباط التي جاء فيها “… وقد حرصنا، منذ اعتلائنا العرش، على تعزيز هذا المسار، من خلال إقامة المؤسّسات المختصة، ووضع التشريعات اللازمة لدعم حماية الأطفال.
وتثمينا لهذا الرصيد، عملنا على إعطاء دُفعة قوية لحماية الطفولة، والنهوض بأوضاعها، حيث نصّ دستور 2011 على أنّ الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية……………………………………………………..
……………………………………………………………………………
…..وكما تعلمون، فإن ضمان حقوق الأطفال يمر قبل كل شيء، عبر تمكينهم من حقوقهم الأساسية، في الصحة والتعليم والسكن والحماية الاجتماعية، والتي تنص عليها أيضا أهداف التنمية المستدامة، التي تتضمن دعوة صريحة لمحاربة العنف ضد الأطفال… “انتهى النطق الملكي السامي.
حضرات السيدات والسادة ؛
وكما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، فقد قطعت بلادنا أشواطا مهمة في مجال توفير الحماية والرعاية لأطفالها محققة بذلك العديد من المكتسبات بمساهمة وانخراط جميع الفاعلين والمتدخلين وهو ما ينبغي تثمينه والعمل بجد على تعزيزه والارتقاء به إلى مصاف التجارب والممارسات الفضلى على المستوين الدولي والإقليمي، وما هذه المكتسبات إلا انعكاس للتوجهات الفضلى التي اعتمدها تشريعنا في هذا المجال. بدءا من دستور المملكة لسنة 2011 الذي توج جهود بلادنا في مجال تعزيز حماية الأطفال وضمان تمتعهم بجميع حقوقهم، سواء من خلال تعزيز مكانة الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة وتكريس سموها على التشريعات الوطنية، أو من خلال النص صراحة بمقتضى الفصل 32 منه على واجب الدولة في توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.
وعلى غرار الدستور أولت كل القوانين الوطنية عبر المراجعات التشريعية المتوالية في العقدين الأخيرين أهمية خاصة لتعزيز حماية حقوق الطفل ومراكزه القانونية سواء من خلال مقتضيات مدونة الأسرة أو مجموعة القانون الجنائي أو قانون المسطرة الجنائية وغيره، مما يشكل ترسانة تشريعية حامية وواقية للطفل ينبغي حرص الجميع على تفعيلها والتطبيق السليم لمقتضياتها بالتقصي الدائم والفهم الصحيح لغايات المشرع منها.
وتنفيذا لالتزاماتها الوطنية والدولية، فقد حرصت بلادنا على تعزيز هذه الحماية التشريعية مرورا بعدة محطات تاريخية، حيث انخرطت في تفعيل مقتضيات خطة العمل الدولية “عالم جدير بأطفاله”، من خلال خطة العمل الوطنية للطفولة (2006-2015)، التي مكنت من تحقيق مجموعة من المكتسبات المهمة على مستوى ملاءمة التشريعات الوطنية والنهوض بحقوق الطفل الأساسية.
ومواصلة لهذه الدينامية عملت بلادنا أيضا على وضع السياسة العمومية المندمجة للطفولة بالمغرب 2015-2025 التي تعتبر بمثابة ميثاق وطني انخرط فيه الجميع، من أجل إدراج بعد حماية الطفولة في مختلف السياسات والبرامج العمومية مركزيا ومحليا ولرفع تحدي إعمال المبادئ والحقوق المضمنة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتحديات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة في أفق سنة 2030.
وقد انخرطت أجهزة العدالة بدورها في هذا المسار، من خلال مخطط للإصلاح استهدف تعزيز الحماية القضائية للطفل، وانطلق ذلك سنة 2005 بإحداث خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم، من أجل تسهيل ولوج الأطفال للعدالة وضمان حمايتهم، ومواكبة ذلك باعتماد دليل للمعايير النموذجية للتكفل بالنساء والأطفال في مختلف الوضعيات التي تسوقهم أمام العدالة، إضافة إلى إحداث لجن محلية وجهوية بالمحاكم تسهر على التنسيق مع مختلف القطاعات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحماية الأطفال، وهو ما يكرس التوجه إلى تبني مفهوم العدالة الصديقة للأطفال في تماس مع القانون مهما كانت مراكزهم القانونية، سواء كانوا في وضعية صعبة أو مهملين أو متخلى عنهم أو في خلاف مع القانون أو ضحايا للجريمة أو شهود عليها، فتكفل أنظمة العدالة حمايتهم من التمييز وتراعي خصوصية أوضاعهم وتضمن مشاركتهم والأخذ بآرائهم في كل الإجراءات التي تهمهم. وهو ما تأكد أيضا من خلال عدة توصيات جاء بها الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، في سبيل تعزيز الحماية القانونية لضحايا الجريمة لاسيما الأطفال، وتعزيز حماية الأحداث الموجودين في نزاع مع القانون أو في وضعية صعبة.
حضرات السيدات والسادة ؛
إذا كانت العناية والاهتمام بالأطفال ورعاية مصالحهم شأن يوحدنا في هذا الملتقى العلمي رفيع المستوى فإنه يجب التذكير بأن هذا الشأن يتخذ أبعادا متعددة تتطلب تدخل الفاعلين كل حسب اختصاصاته انسجاما مع المقتضيات الدستورية للمملكة التي تؤسس لمبدأ الفصل بين السلط في إطار من الانسجام والتعاون. لذا يكون على السياسات العمومية أن تفسح المجال لبلورة خطط عمل مندمجة تروم توفير خدمات متنوعة للأطفال تبعا لوضعهم واحتياجاتهم، مع رفع مستوى التنسيق بين مختلف المتدخلين لضمان انسجام تلك الخطط من جهة وضمان شمولية والتقائية الخدمات من جهة أخرى مع وضع مؤشرات دقيقة وواضحة لقياس نجاعتها.
ومن هذا المنطلق فقد أولت السياسة الجنائية لبلادنا أهمية بالغة لقضايا الطفولة وجعلتها ضمن أولوياتها الاستراتيجية مكرسة بذلك البعد الحمائي للأطفال جميعا بغض النظر عن وضعياتهم.
وفي هذا السياق لم تدخر رئاسة النيابة العامة جهدا منذ تأسيسها في أكتوبر 2017 كسلطة مستقلة وباعتبارها الجهة القائمة على تنفيذ مضامين السياسة الجنائية الوطنية وإيمانا منها بأهمية التنشئة السليمة للأطفال وحمايتهم من كل المخاطر التي تتهددهم، فجعلت في مقدمة أهدافها تحقيق الحماية القانونية اللازمة للأطفال في سعي دائم لتكريس مفهوم العدالة الصديقة، وفي هذا الإطار فقد بادرت إلى اتخاذ عدة إجراءات سواء على مستوى البناء المؤسساتي، أو على مستوى تنفيذ السياسة الجنائية الخاصة بحماية حقوق الطفل، من أجل ضمان التفعيل السليم للمقتضيات القانونية الحمائية الواردة في التشريع الوطني، وتكريس المعايير الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن.
فخصصت ضمن هياكلها التدبيرية قطبا يختص بتتبع قضايا الأسرة والفئات الهشة عموما وقضايا الطفولة بوجه خاص، إن على مستوى تعزيز الولوج للحماية القضائية وفق المعايير النموذجية أو على مستوى الرصد وتجميع الاحصائيات والمعطيات ذات الصلة أو على مستوى ضمان تعزيز القدرات ومواصلة التحسيس وتأطير النقاش بين قضاة النيابة العامة وشركائها.
وتعتبر خلايا التكفل بالأطفال والنساء بمختلف النيابات العامة بمحاكم المملكة والتي تشرف عليها رئاسة النيابة العامة آلية فعالة لتيسير ولوج الأطفال إلى العدالة، وتعكس رقيا في تعاطي المؤسسة القضائية مع هذه الفئة، حيث يسهر أعضاء النيابات العامة، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على استقبال الأطفال الوافدين عليها، في حرص شديد على تقديم ما تتطلبه أوضاعهم من دعم ومساعدة ومرافقة واستحضار للبعد الاجتماعي والإنساني.
كما تعمل النيابة العامة على تفعيل دورها التنسيقي مع مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية، عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تكفلا فعالا وناجعا يتلاءم وخصوصية وضعية الطفل في تماس مع القانون واحتياجاته.
ومن أجل تحقيق أكبر قدر من النجاعة في تطبيق القوانين ذات الصلة بحقوق الأطفال، بادرت رئاسة النيابة العامة إلى توجيه العديد من الدوريات إلى النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، تحثهم فيها على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة، وكل ما من شأنه إهدار كرامة الطفل، وفقا لما ينص عليه القانون الوطني، مع الحرص على التشخيص القانوني السليم لوضعياتهم وعلى تقصي مصلحتهم الفضلى والتطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وسعيا لتفعيل المبادئ الدستورية الرامية إلى ضرورة التعاون بين السلط، ووعيا منها بأهمية الالتقائية بين تدخلات الفاعلين في مجال حماية الطفولة، وضرورة تظافر جهود الجميع لتحقيق حماية ناجعة وفعالة للأطفال، تعتمد رئاسة النيابة العامة نهج الانفتاح على مختلف الأوراش الوطنية الداعمة لحقوق الأطفال، وفي هذا الإطار فقد انخرطت في عدة مبادرات منها الحملة الإفريقية من “أجل مدن بدون أطفال في وضعية الشارع” تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، المعلن عنها بمدينة مراكش بتاريخ 24 نونبر 2018. والتي عبأت مختلف الفاعلين لانتشال الأطفال من الشارع.
كما انخرطت في “الخطة الوطنية لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول” منذ 04 دجنبر 2019 بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
وفي نفس السياق أعدت رئاسة النيابة العامة خطة مندمجة انخرط فيها كافة المتدخلين المعنيين من أجل الحد من زواج القاصر والتصدي لأسبابه استجابة لغاية المشرع الذي حدد سن الزواج للفتى والفتاة على حد سواء في 18 سنة كاملة من منطلق التسليم بأن الزواج دون هذه السن مساس بحقوق الطفل وعرقلة لنموه وتنشئته.
واستمرارا في السعي المشترك لحماية الطفولة قادت رئاسة النيابة العامة استشارة وطنية حول التكفل بالأطفال المهاجرين غير المرفقين أفضت إلى إعداد خطة عمل مشتركة لتطوير الخدمات وتجويدها.

حضرات السيدات والسادة؛
إن حماية الأطفال والنهوض بأوضاعهم هو ورش كبير ومستمر، يتطلب انخراط والتزام الجميع، فرغم ما راكمته بلادنا من إنجازات ومكتسبات في هذا المجال بفضل المجهودات المبذولة من طرف كل المتدخلين، إلا أنه لازال أمامنا طريق مليء بالتحديات والصعاب للوصول بأطفالنا إلى مستوى يحقق الغايات والمقاصد السامية المتمثلة في منع كل الأفعال والممارسات الماسة بسلامتهم، كما أن آليات الحماية المتاحة تسائلنا عن مدى احترام المعايير المتعارف عليها للتكفل بالأطفال فيطرح التساؤل مثلا عن ضرورة تصنيف الأطفال المودعين متى علمنا أن مراكز حماية الطفولة تضم في آن واحد الأطفال المخالفين للقانون والأطفال في وضعية صعبة بل إن هؤلاء يشكلون نسبة 65 % مقابل 35% من الأطفال في وضعية مخالفة للقانون، ومن جهة أخرى مازالت الإحصائيات بالمحاكم تسجل حالات متعددة من قضايا العنف الموجه ضد الطفل، كما ترصد لنا أعدادا مهمة من الأطفال الذين يتورطون في جرائم تتسم في بعض الأحيان بالخطورة، كما لازالت تطالعنا الأرقام المقلقة للأطفال في وضعية صعبة أو في وضعية الشارع المعرضين لمظاهر متعددة من العنف والاستغلال، الأمر الذي ينبغي معه إحاطة هذه الفئات بمزيد من الاهتمام على مستوى منظومة العدالة لضمان أنجع السبل الكفيلة بحمايتهم وفتح أفق الإدماج أمامهم. غير أن إنقاذ الأطفال في تماس مع القانون وتوفير الحماية الشاملة لهم لا يقتصر على الحماية القانونية والقضائية فحسب، وإنما تتسع دائرته بالضرورة لتشمل منظومة الحماية الاجتماعية كما أن هذه الحماية لا تقف عند مسار التكفل القضائي بهم بل تنصرف إلى جهود الرعاية اللاحقة والمواكبة الوثيقة لضمان إعادة إدماجهم في المجتمع كأفراد صالحين.
حضرات السيدات والسادة؛
إن الرقي بحماية الطفولة ببلادنا يتطلب حتما وقفة تأمل وتشخيص دقيق لواقع هذه الحماية من خلال التعرف على مواطن القوة والاجتهادات المتميزة والممارسات الجيدة من أجل تعميمها والاستفادة منها، ومن خلال الوقوف كذلك على مختلف التحديات والإكراهات التي تواجهها، من أجل استشراف الحلول والوصول إلى مقترحات عملية ناجعة لتكريس الحماية الشاملة لهذه الفئة، وهو ما نصبو إليه في هذه المناظرة الهامة التي نأمل أن تكون انطلاقة جديدة للارتقاء بمنظومة الحماية الوطنية لأطفالنا ومحطة أساسية للخروج بتصورات عملية وتوصيات تروم تحقيق تكفل شامل وناجع بمختلف فئات أطفالنا.
ولهذه الغاية تضم هذه المناظرة فضلا عن جلساتها العامة عدة ورشات موضوعاتية تطرح للنقاش الإشكاليات الكبرى لحماية الأطفال في تماس مع القانون وتروم وضع التصور بشأنها بالتشاور والتنسيق مع شركائنا المعنيين بالوقاية والحماية والرعاية اللاحقة للأطفال سيرا نحو أفق مشرق للطفولة المغربية وصولا إلى مغرب جدير بأطفاله وأطفال جديرين بمغرب الغد.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.” صدق الله العظيم.
وفقنا الله للعمل جميعا لما فيه خير بلادنا وأطفالنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده المولى الحسن وبصنوه الرشيد المولى رشيد وبسائر أفراد الأسرة الملكية إنه سميع قدير وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
م. الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
رئيس النيابة العامة

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *