باحدة عبد الرزاق
في حلقة جديدة من البرنامج المباشر “شن طن” الذي تقدمه نجيبة جلال، مديرة نشر جريدة “اكسبريس تيفي”، تم تسليط الضوء على التحديات الراهنة التي تواجه قطاع الصحافة المغربية، واستضافت جلال الزميل توفيق نديري، ممثل الاتحاد المغربي للشغل، في نقاش مطول حول مستقبل المهنة وسبل إصلاحها، حيث تناول الحوار عدة قضايا جوهرية تهم الساحة الإعلامية المغربية.
بداية النقاش قدمت نجيبة جلال تشبيه لافت للوضع الحالي للصحافة المغربية بعصر ملوك الطوائف في الأندلس، حيث أدى التشرذم والصراعات الداخلية إلى ضعف وانهيار الحكم، واعتبرت جلال الصحافة المغربية اليوم تواجه محاولات لتركيز القوة المالية بيد مجموعة محدودة من الأشخاص، مستفيدين من التمويل الحكومي، مما يهدد بإقصاء المؤسسات الصحفية الأخرى وخلق “مراكز قوة” تتحكم في الرأي العام، هذا الوضع، حسب رأيها، قد يؤدي إلى خلق “دولة موازية” داخل قطاع الصحافة.
كما انتقدت نجيبة سوء استخدام الدعم الحكومي الموجه للقطاع، مع الإشارة إلى حالات استثمار هذا الدعم في مشاريع خاصة كالعقار بدلاً من تطوير المؤسسات الصحفية، وأكدت على ضرورة مراجعة آليات توزيع هذا الدعم لضمان استفادة القطاع ككل وليس فقط مجموعة محدودة من الأفراد أو المؤسسات.
وفي مداخلته على الهاتف، أثار توفيق نديري مخاوف من تراجع المكتسبات الديمقراطية وعودة وصاية وزارة الاتصال على القطاع، مؤكدا على ضرورة التمسك بالمبادئ الدستورية التي تنص على التنظيم الذاتي للمهنة، معتبراً أن العودة إلى وصاية الوزارة ستشكل انتكاسة للمسار الديمقراطي في البلاد.
وفي سياق الحديث عن التمويل، شدد نديري على ضرورة فتح نقاش حقيقي حول الدعم وآليات توزيعه، وانتقد بشدة غياب ممثلي الأجراء في المرسوم المتعلق بالدعم، معتبراً ذلك أمراً مخجلاً وسابقة خطيرة تعكس غياب التشاركية الحقيقية في صياغة القوانين.
كما تطرق نديري إلى قضية التمثيلية في القطاع، مشيراً إلى وجود مغالطات خطيرة حول تمثيلية النقابات والجمعيات المهنية، وأكد أن الأرقام الرسمية حول التمثيلية موجودة لدى وزارة الشغل، لكنها لم تؤخذ بعين الاعتبار في تشكيل اللجنة المؤقتة المكلفة بتقديم مقترحات لتنظيم القطاع.
انتقد نديري بشدة عمل اللجنة المؤقتة، واصفاً إياه بـ”التشاركية الصورية”، وأوضح أنه قبل تقديم المقترحات للوزارة الوصية، كان يجب عرضها على باقي الفرقاء من نقابات وجمعيات وغيرها، وعبر عن تخوفه من تكرار “المهزلة” التي حدثت مع اللجنة المؤقتة السابقة، حيث تم تجاهل آراء غالبية المهنيين والخبراء القانونيين رغم اعتراضهم على مقترحاتها.
وشدد نديري على أهمية إجراء انتخابات شفافة وديمقراطية لاختيار ممثلي القطاع، معتبراً أن ذلك هو السبيل الوحيد لضمان تمثيلية حقيقية لمختلف مكونات المشهد الصحفي المغربي، كما أثار إشكالية تمثيلية النقابات والجمعيات المهنية، مشيراً إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار الأرقام الرسمية حول التمثيلية الموجودة لدى وزارة الشغل.
وفي سياق الحديث عن المسؤولية المهنية، أكد المتحدث على الدور الأساسي للصحافة في مراقبة السياسات العامة، مشدداً على أن الدفاع عن القضايا الوطنية هو واجب مهني وأخلاقي لا يحتاج إلى تمويل إضافي، كما دعا الصحفيين إلى عدم الانجرار وراء محاولات استغلال القضايا الوطنية للحصول على مزيد من الدعم المالي.
وأثار نديري أيضاً قضية حرمان بعض الصحفيين من ممارسة مهنتهم، معتبراً أن معاقبة الصحفي بدلاً من المؤسسة الإعلامية أمر غير مقبول، كما تطرق إلى قضية مشاركة الصحفيين في تغطية الألعاب الأولمبية، مؤكداً على أهمية الخبرة في العمل الصحفي، خاصة في تغطية الأحداث الرياضية الكبرى.
في ختام الحوار، دعا المتحدث المسؤولين عن قطاع الصحافة لاتخاذ إجراءات حاسمة لإصلاح الوضع الراهن، مؤكداً على ضرورة العمل على تحقيق رؤية الملك محمد السادس نصره الله في بناء صحافة مغربية مسؤولة ومستقلة، قادرة على مواكبة التطورات التي يشهدها المغرب وتلبية تطلعات المواطنين في الحصول على إعلام حر ونزيه.
وتبقى هذه القضايا محل نقاش واسع في الأوساط الإعلامية والسياسية المغربية، مع تزايد الدعوات لإيجاد توازن بين ضرورة دعم القطاع الصحفي وضمان استقلاليته وحياده. ويبقى التحدي الأكبر هو إيجاد صيغة توافقية تجمع مختلف الفاعلين في القطاع، وتحقق التوازن بين متطلبات المهنة ومصالح الدولة والمجتمع. فمستقبل الإعلام المغربي يعتمد على قدرة جميع الأطراف على تجاوز الخلافات وبناء منظومة إعلامية قوية ومستقلة، قادرة على مواكبة التطورات التي يشهدها المغرب والعالم، مع التحذير من السماح بسيناريوهات ستسمح بخلق اغوال إعلامية تبتعد بـ”صاحبة الجلالة” عن اهدافها الأولى، بل و قد وصل حد اختطاف قطاع حيوي من الدولة و جعله دولة داخل الدولة.