باحدة عبد الرزاق
في أجواء مشحونة بالنقاش حول مستقبل العدالة في المغرب، شارك الأستاذ عزيز الرويبح، نقيب هيئة المحامين بالرباط، في ندوة نظمها قطاع المحامين والمحاميات الاتحاديين بالدار البيضاء، حيث قدم مداخلة قوية جريئة حول مشروع قانون المسطرة المدنية، وقد سلط الرويبح الضوء على العديد من النقاط الحساسة في هذا المشروع، معبراً عن مخاوف جدية تتعلق بمستقبل مهنة المحاماة وحقوق المواطنين في ظل التعديلات المقترحة.
بدأ الرويبح حديثه بالتأكيد على أهمية النظر إلى المشروع من منظور سياسي، مشدداً على ضرورة فهم خلفياته وأبعاده في ضوء الدستور ومقتضياته. ووصف المشروع بأنه “ملقح بسم قاتل لحقوق الدفاع”، مشيراً إلى أن العديد من نصوصه تنتقص من دور المحامي وحقوق المواطن، وأضاف أن المشروع يبدو وكأنه يهدف إلى “التضييق وتقليص دور المحامين وأهميتهم في مجال العدالة”.
وانتقد النقيب بشدة المقتضيات المتعلقة بتحديد سقف المبالغ القابلة للاستئناف والنقض، معتبراً أنها تمييزية وتحرم فئات واسعة من المواطنين من حقهم في التقاضي على درجات، وأشار إلى أن هذه المبالغ لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي للمواطن المغربي العادي، متسائلاً عن مدى عدالة حرمان المواطن من حقه في الاستئناف إذا كان المبلغ المتنازع عليه أقل من 40 ألف درهم، أو من النقض إذا كان أقل من 100 ألف درهم.
كما تطرق الرويبح إلى مسألة إلزام المحامي بالسهر على التبليغ تحت طائلة عدم القبول، معتبراً ذلك تحميلاً للمحامي مسؤوليات إضافية غير مبررة، وأثار قضية توسيع صلاحيات النيابة العامة، خاصة فيما يتعلق بإمكانية الطعن بالتصريح بالبطلان في أي وقت دون أجل، متسائلاً عن تأثير ذلك على الأمن القضائي والقانوني.
وانتقد الرويبح بعض المقتضيات التي تمنح صلاحيات متساوية للنقيب والوكيل العام في بعض الحالات، معتبراً ذلك تقليصاً لدور النقابة واستقلاليتها، وشدد على ضرورة احترام الدستور روحاً ونصاً عند صياغة القوانين، داعياً إلى عدم إجراء تغييرات جذرية وشاملة دون مراعاة لمصالح المواطنين والمكتسبات التاريخية لمهنة المحاماة.
وفي سياق متصل، دعا النقيب زملاءه المحامين إلى المشاركة الفعالة في العمل السياسي، معتبراً ذلك ضرورياً للدفاع عن قضايا العدالة وحقوق الدفاع، وحث زملاءه على التمسك بمواقفهم والدفاع عن استقلالية المهنة، مؤكداً على أهمية احترام المؤسسات المهنية والنقابات.
وفي ختام مداخلته، أكد الرويبح على ضرورة مواصلة النضال من أجل تحسين مشروع القانون، رافضاً فكرة الاستسلام أو اعتبار المشروع أمراً واقعاً لا يمكن تغييره، ودعا إلى ضرورة إجراء حوار وطني شامل حول هذه القضايا الحساسة لضمان تحقيق التوازن بين متطلبات إصلاح القضاء وحماية حقوق الدفاع واستقلالية مهنة المحاماة.
وقد أثارت مداخلة الأستاذ عزيز الرويبح نقاشاً واسعا حول الكثير من مقتضات مشروع قانون المسطرة المدنية، مسلطة الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه منظومة العدالة في المغرب. وتعكس هذه المداخلة عمق القلق الذي يساور المحامين المغاربة إزاء مشروع قانون المسطرة المدنية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل مهنة المحاماة في ظل التعديلات المقترحة. ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة من تحقيق التوازن المنشود بين ضرورات الإصلاح وضمان حقوق الدفاع واستقلالية القضاء؟