بقلم عبدالرزاق باحدة
لفي سياق الاحتفال بالذكرى الفضية لتربع الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين، دعت الصحفية نجيبة جلال إلى إجراء نقد ذاتي شامل للقطاع الإعلامي المغربي، وذلك خلال برنامجها اليومي المباشر “شن طن“، وتناولت تطور المشهد الإعلامي المغربي خلال العقود الأخيرة، مسلطة الضوء على التحديات والإشكاليات التي يواجهها القطاع، ومحذرة من مخاطر تهدد استقلالية وتعددية الإعلام في المملكة.
استهلت نجيبة جلال حديثها بالإشارة إلى التحولات الكبرى التي شهدها قطاع الإعلام في المغرب منذ بداية الألفية الجديدة، مركزة على عام 2002 الذي شهد تحرير القطاع السمعي البصري، معتبرة إياه نقطة تحول محورية في تاريخ الإعلام المغربي، وأشارت إلى إعلان الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز من نفس العام، عن إنشاء هيئة جديدة لتنظيم القطاع السمعي البصري، مما عزز هذا التوجه نحو تحرير القطاع.
وتطرقت جلال إلى الجهود التي بذلتها الدولة لدعم بروز صحافة مستقلة في أواخر عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله، مشيرة إلى خطوة هامة تمثلت في نقل الإشراف على قطاع الصحافة من وزارة الداخلية إلى وزارة الاتصال، واعتبرت هذه الخطوة بداية لمسار طويل نحو استقلالية القطاع وتحريره من القيود التي كانت تكبله سابقاً.
وفي سياق حديثها عن تطور المشهد الإعلامي، أشارت جلال إلى بروز وجوه صحفية بارزة في تلك الفترة، مثل أبو بكر الجامعي وعلي المرابط وبن شمسي، معتبرة أن الدولة دفعت بقوة نحو تحرير القطاع وتشجيع بروز صحافة مستقلة، وأضافت أن هذه الفترة شهدت تحولات إيجابية كبيرة في المشهد الإعلامي المغربي، حيث منحت الدولة فرصة للقطاع ليشق طريقه نحو الاستقلالية والمهنية.
ومع ذلك، انتقدت جلال بشدة ما اعتبرته تحولاً سلبياً في مسار بعض هذه الوجوه الإعلامية، وشرحت كيف تحولوا من “شركاء للدولة إلى شركاء ضد الدولة”، واستشهدت بمقالات نشرها الصحفي رشيد نيني في وقت سابق، معتبرة أنها تحمل نفس النبرة والأسلوب الذي تستخدمه بعض المنابر الإعلامية حالياً في انتقاد مؤسسات الدولة وشخصيات بعينها، وأشارت إلى أن هذا التحول يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه المواقف المتغيرة.
وتطرقت جلال بالتفصيل إلى قضية الصحفي نبيل الشعيبي، مشيرة إلى أنه كان متابعاً بتهم تتعلق بالنصب والابتزاز قبل أن يبدأ في نشر تدوينات ضد الوحدة الترابية وأمن الدولة، واعتبرت أن هذا السلوك كان محاولة لإعطاء نفسه صفة معارض سياسي تمهيداً لطلب اللجوء والاستفادة من الوضعية القانونية للاجئين والحماية التي تضمنها اتفاقية جنيف.
وفي إشارة إلى التسجيل الصوتي المنسوب لإدريس فرحان، اعتبرت جلال أنه يكشف عن محاولات ابتزاز وعروض مالية مشبوهة، مؤكدة أن هناك المزيد من التسجيلات التي تحمل “الكثير من الأسرار والمفاجآت”. وأشارت إلى أن هذه التسجيلات قد تكشف عن تورط أطراف أخرى في قضايا مماثلة.
وفي سياق متصل، أشارت جلال إلى رأي الإعلامية شامة درشول، التي تحدثت عن ظاهرة “التشهير” على مواقع التواصل الاجتماعي. ونقلت جلال عن درشول قولها إن صعود الإسلاميين إلى الحكومة كان له تأثير كبير على المشهد الإعلامي، مشيرة إلى أن هذه الفترة شهدت انسحاباً لأصحاب “التفكير الحر” مقابل تواجد أكبر لأصحاب “التفكير الواحد”. وأضافت درشول أن هذا التحول أدى إلى انهيار القيم وفقدان الثقة في المشهد السياسي والاجتماعي.
وخلصت جلال إلى ضرورة إجراء نقد ذاتي شامل في قطاع الإعلام والصحافة، متسائلة عن أسباب تراجع المواكبة الإعلامية الصريحة للعديد من الملفات الحساسة، كما دعت إلى ضرورة الحفاظ على التعددية الإعلامية ودعم المقاولات الصحفية الصغرى، محذرة من خطورة احتكار القطاع من قبل جهات معينة.
وشددت جلال على أهمية ما أسمته “الثالوث” المتمثل في المال والإعلام والسلطة، معتبرة أن التحكم في هذا الثالوث من قبل جهة واحدة يشكل خطراً كبيراً على استقلالية الإعلام وحرية التعبير، ودعت إلى ضرورة فصل هذه العناصر الثلاثة لضمان توازن المشهد الإعلامي وحمايته من الاستغلال.
وفي ذات السياق، أجابت مديرة نشر اكسبريس تيفي بحياد تام على بعض من صرحوا بأن “الساروت” الذي بحوزتهم يمكن أخذه، وأكدت أن هذا الباب في حد ذاته خطأ لمن استعمله لأنه لا يمكن السماح بتاتا باقتصار قطاع الإعلام المغربي في شخص أو مقاولة.
وفي ختام حديثها، أكدت جلال على أهمية الصحافة كأداة ديمقراطية أساسية وضرورة الحفاظ على استقلاليتها وتعدديتها، ودعت الدولة إلى التدخل بشكل إيجابي لضمان توازن المشهد الإعلامي وحماية المقاولات الصحفية من الاستغلال أو الإستقطاب من قبل جهات معينة، مشددة على أن مستقبل الديمقراطية في المغرب مرتبط بشكل وثيق بمستقبل الإعلام الحر والمستقل.