باحدة عبد الرزاق
منذ اعتلائه العرش، استطاع الملك محمد السادس أن يدشن عهدًا جديدًا في تاريخ المغرب، متسمًا بالجرأة والشجاعة في مواجهة تحديات الماضي وبناء مستقبل أكثر إشراقًا، لقد نجح جلالته في إطلاق عملية مصالحة تاريخية من خلال تبني نهج العدالة الانتقالية، ساعيًا لطي صفحة مؤلمة من التاريخ السياسي والحقوقي للمملكة.
كانت إحدى أبرز مبادرات الملك في هذا السياق إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004، والتي سبقتها هيئة التحكيم المستقلة، شكلت هذه الخطوات حجر الأساس نحو إرساء دولة الحق والقانون، وفتحت الباب واسعًا أمام مأسسة حقوق الإنسان في المغرب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تطور ليشمل إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي تحول لاحقًا إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، متوافقًا مع المعايير الدولية للحوكمة والاستقلالية، وملتزمًا بمبادئ باريس للمنظمات الحقوقية الدولية.
هذه الديناميكية الجديدة في العمل الحقوقي أدت إلى توسيع هامش الحريات الديمقراطية والإعلامية بشكل ملحوظ. فقد شهدت المملكة عودة معظم المنفيين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي. كما بدأت عملية إدماج المعتقلين السابقين في المجتمع، مع تقديم تعويضات مادية ومعنوية لهم.
رغم التحديات والعقبات التي واجهت هذه المسيرة، إلا أن إصرار المغاربة، وخاصة قوى المجتمع المدني، على تحصين المكتسبات الديمقراطية وتوسيع هامش الحريات العامة، ظل ثابتًا وقويًا.
لقد نجح الملك محمد السادس في إرساء منظومة حقوقية أكثر إنصافًا للمرأة، رغم بعض المعارضات التقليدية. كما تمكن من إصلاح الشأن الديني، مما ساهم في تحسين الصورة الحقوقية للمغرب على الصعيد الدولي. وأصبحت المملكة، في غضون ربع قرن، نموذجًا للانفتاح والتعايش واحترام التعددية الثقافية والدينية.
يعد دستور 2011 من أبرز إنجازات عهد الملك محمد السادس، حيث شكل نقلة نوعية في مسار الإصلاح السياسي، منتقلاً بالمغرب من مرحلة الملكية المطلقة إلى بدايات ملكية دستورية ديمقراطية تلعب دورًا محوريًا في دمقرطة الدولة والمجتمع.
صحيح أن هناك تحديات لا تزال قائمة، وأوراش إصلاحية مفتوحة تنتظر التنفيذ الكامل، إلا أن الملكية المغربية أثبتت انحيازها إلى جانب المبادرات التحديثية للمجتمع. وقد نجح الملك في توظيف مسؤوليته الدينية الدستورية كأمير للمؤمنين لدعم قرارات تنتصر للحداثة والديمقراطية، كما يتجلى في مدونة الأسرة وقانون الأحزاب وإصلاح منظومة العدالة.
في الختام، يمكن القول إن سجل الملك محمد السادس الحقوقي كان على مستوى تطلعات المرحلة، مظهرًا التزامًا راسخًا بنقل المغرب إلى مصاف الدول الساعية لتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، رغم كل التحديات والعقبات.